الخميس، 20 يناير 2011

وكانت الأوراق تتساقط وعليها الإجابة عن كل سؤال

أنت لم تجرب قدرتك على الجوع. ولا قدرتك على احتمال العطش. إن إرادة الإنسان أعظم مما يتصور ولكنه لم يجربها. لأنه لم يمتحن نفسه كثيرا.

رجلان يجلسان أمام أحد مساجد مدينة المنصورة من 65 عاما. خرج الرجلان من صلاة الفجر. وكل واحد منهما يريد أن يسأل الآخر عن حقيقة ما جرى بالأمس ولكن أحدهما لا يجرؤ. ثم وجد أحدهما أنه من الضروري أن يتكلم.

قال: وتعتقد أن هذا حلال أو حرام.

لا هو حلال ولا هو حرام.

وكيف؟

نفرض أنك ارتديت ملابس قديمة. ثم عدت فارتديت ملابس جديدة. ثم ألقيت بنفسك في الماء وتبللت. ثم جففت جسدك. ولا هو حلال ولا هو حرام. لا أنت أعطيت أحدا شيئا ولا أنت سلبت أحدا شيئا.

هذا رأيك.

نعم. ولابد أن يكون رأيك أيضا. ولو سمعهما رجلا ثالث، فإنه لن يفهم شيئا. والرجلان لا يريدان أن يذكرا حقيقة ما جرى بالأمس. فقد دعي الرجلان إلى بيت أحد الأصدقاء. ورأيا رجلا طيبا. هذا الرجل يملأ المكان بخورا أبيضا. ثم هو يهمهم بكلمات غير مفهومة. وفجأة يتحول البخور الأبيض إلى طيور تملأ الغرفة. ثم تتحول الطيور إلى دواجن تمشي على الأرض. ثم إذا هي ثعبان تزحف على الجدران. وأخيرا تسقط على الأرض فاكهة. وتختفي. ويظل الرجل الساحر في غيبوبة. ويتركونه ويخرجون إلى الشارع إلى الصلاة. دون أن ينطق أحدهم بكلمة. لأنه في حيرة عن كل ما حدث كل ليلة في هذا البيت ومن عشرين عاما. فهل هو حرام أو حلال؟ إن الرجل الساحر قد عرض براعته في فعل شيء جون أن يصيب أحدًا بضرر. ودون أن يتقاضى أجرا على هذا الاستعراض. ودون أن يشرح لأحد من الناس ما حقيقة هذا الذي جرى في بيت الحاج عبد الرحمان أبو العلا بشارع القاضي بالمنصورة. وجاءت هذه القصة في كتاب بعنوان عجائب الشيخ مسعود.

في نفس الوقت عند منتصف ليل يوم 31 ديسمبر 1973 وفي إحدى غرف في مدينة باريس. وقف رجل عريان تماما. وفي يده سكين وكرباج وكوب من اللبن وكوب آخر من النبيذ. وارتمى أمامه واحد من تلميذته عريانا تماما ورفع الرجل السكين وهوى بها على ظهر التلميذ وتركها في مكانها. ثم أمسك الكرباج وانهال على التلميذ العريان ضربا. ولم يسمع أحد صراخا لهذا التلميذ. وفجأة ومع بخور الذي يملأ الغرفة انفتحت النافذة ودخل هواء بارد. تحول الهواء البارد إلى سحابة. والسحابة تحولت إلى ثعبان تكوم حول جسد التلميذ العريان. ومازال الثعبان يلتف حول جسده حتى غطاه تماما. ثم أطل الثعبان برأسه من تحت ذقن هذا المسكين العريان.

هذا المشهد تكرر كثيرا جدًا وأمام عشرات الألوف من الأطباء والمهندسين وفي بلاد معظم ملوك أوروبا في ذلك الوقت. أما الرجل الذي أمسك الخنجر والكرباج فهو الساحر البريطاني الشهير جدا اليستركرولي.

هذا الرجل جاء إلى مصر وقابل عددا من أعضاء الأسرة المالكة ومن البشوات وله حادثة مشهورة في الفيوم. عندما أنزلوه في أحد زوارق بحيرة قارون. وخلع الرجل ملابسه. لابد أن يخلع ملابسه تماما. وألقى بالملابس في الماء. ثم سحب هذه الملابس فوجد عشرات من الأسماك قد تعلقت بها. ثم ملأ بها الزورق تماما. ولما رأى الناس ذلك تلفتوا يبحثون عن الساحر فوجدوه قد جلس إلى الشاطئ يأكل سمكا مشويا. حدث ذلك في فبراير 1916. هل عند هذا الرجل تفسير لما حدث؟

عنده كلام يقوله. ولكنه لا يدري إن كان هذا الكلام يقنع أحدا. ولكن هذا هو كل ما يستطيع أن يقوله؟ يقول: إن البخار أخف من الماء. ولكن البخار يستطيع أد يدفع قاطرة وباخرة. والكهرباء غير منظورة، ولكنها قادرة على أن تضيء مدينة. وكذلك إرادة الإنسان لا هي ملموسة ولا هي مرئية، ولكن هذه الإرادة إذا أحسن استخدامها فإننا نغير الكون كله.

معنى ذلك أن الإرادة والفكر والقدرة الخاصة في خفة البخار وقوته. وفي غموض الكهرباء وقوتها أيضا. ولا يبقى بعد ذلك إلا أن يكون الإنسان قادرا على استخدام إرادته واستخدام فكره. وفي حياتنا العادية وفي التاريخ الإنساني. شرقا وغربا، رجال أفراد استطاعوا أن يحركوا الملايين بالفكر والإقناع وبالإرادة. أي بسيطرة إرادة هؤلاء الأفراد على هؤلاء الملايين. دون أن يدعي واحد منهم أنه ساحر. مع أنه في الحقيقة كذلك.

ربما توقعنا أن يتغير شكل السحر أو أسلوبه و أثره بتغيير السحرة أنفسهم. فكل ساحر له قدرته وله مزاج خاص. وهذا صحيح. ولكن من الملاحظ أن السحر لم يتغير من ألوف السنين. من أيام موسى عليه السلام حتى يومنا هذا. والذي يقرأ السحر في بلاد الهند والصين وسحر الصوفية والدراويش والغجر في أوروبا اليوم، فإنه لا يجد خلافا كبيرا.

فإذا قلنا أن السحر نوع من التفكير المغرض أو نوع من التأثير أو الضغط الفكري. فإن هذا ما يزال صحيحا حتى يومنا هذا. وكل ساحر له إله يستدعيه أو يستنجد به. أو بعبارة أخرى كل ساحر له مصدر من مصادر القوة أو الطاقة. أو عنده بنك يتعامل معه. ويسحب منه مدخراته. أو بعبارة أخرى كل ساحر عنده ينبوع أكبر يستمد منه قوته وقدراته. فهذا الساحر الإنجليزي كروالي يستمد قوته من الإله الفرعوني توت أو تحوت. ورجال السحر في مدينة الإسكندرية كانوا يؤمنون بأن تحوت هذا لم يكن واحدا من الآلهة. وإنما كان ملكا. وقد حكم مصر أكثر من ثلاثة آلاف سنة. ,ألف مئات الكتب وأكثر هذه الكتب تحتاج إلى قدرات خفية لكي نهتدي إلى بعضها، وإلى قدرات خارقة لكي نفهم ما بها.

كراولي هذا كان يستدعي الإله الملك توت عند الشدائد. وكان توت يستجيب لدعائه. أما وسيلته إلى استدعاء الملك توت فعن طريق الطقوس والدعوات الفرعونية الخاصة التي اهتدى إليها كراولي وحده. ولم يشأ أن يكشف لنا كيف كان ذلك.

لا يزال بعض الأوروبيين والأمريكان يجئون إلى الهرم الأكبر كل سنة. ويدخلون غرفة الدفن. ويقيمون صلواتهم. وقد ارتدوا الملابس الفرعونية. أما طقوسهم فهي قريبة من الطقوس الفرعونية. أما كلماتهم ففرعونية. أما هدفهم فهو أن تحل عليهم روح الله توت. فتشفي مرضاهم وتخفف ويلاتهم. وتحل عقهم. ثم تهبهم طوال العمر. من هؤلاء جماعة الصليب الوردي.

من بينهم أيضا أتباع الساحر الإنجليزي كراولي. ولهم فلسفة خاصة. فلسفتهم تقول: كما أن القلب عضو في جسم الإنسان. وكما أن العين عضو في وجه الإنسان. فالإنسان نفسه عضو في هذا الكون العظيم. ويجري على العين وعلى القلب ما يجري على الجسم. ويجري على الإنسان ما يجري على الكون كله. وفي الدنيا قوة واحدة.

كما أن لأرضنا شمسا واحدة. هي مصدر القوة والحرارة. وكذلك القوة الكبرى بالنسبة للكون وللإنسان. وكما أن الشمس تدخل من النافذة. وكما أن النافذة تستطيع أن تحجز عنا الشمس. فكذلك القوة الكبرى من الممكن أن تدخل الجسم الإنساني، ومن الممكن ألا تدخل. ولكي تدخل لا بد أن يكون عند الإنسان هذا الاستعداد لاستقبالها والترحيب بها والاحتفاظ بها أيضا. وكذلك هذه القوة الخفية الموجودة في الكون والتي يمكن استدعائها لتحريك الجسم الإنساني والأجسام الأخرى. وتغييرها في أعيننا، أو تغييرها حقا.

 لكن هل يمكن أن تؤدي قراءة بعض الكلمات أو ترتيلها أو ترنيمها إلى هذه الأعمال الخارقة ما هو سر الكلمات؟ ما سحرها؟ ما مصدر قوتها؟ شيء واحد نلاحظه في كل العصور. أن الكلمات سحرا. وأن ألف ليلية وليلة عندما وضعت على لسان علي بابا عبارة أفتح يا سمسم، فينشق الجبل نصفين. كانت تعني أن الكلمات سرا وأن السر قوة. كيف؟ هذا ما لم تقله لنا ألف ليلة وليلة.

في القرآن الكريم يقول الله تعالى:﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾.

مع أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس في حاجة إلى أن يقول. وإنما أن يريد. ولكن الله قال ويقول لأي شيء ك.. ن.

هذان الحرفان كافيان جدا لأن يكون هذا الكون من الأزل إلى الأبد. وفي ذلك إشارة إلى سحر الحروف أو قوة الكلمات.

في كل العصور نجد أن هؤلاء السحرة يستخدمون كلمات خاصة من لغات غير معروفة. أو كانوا يستخدمون اللغات المعروفة ولكن تركيب الكلمات وترتيبها لم يكن مألوفا. وكان من الضروري أن يستخدموا بعض الكلمات. وهذه الكلمات نضاف إلى البخور والهدوء والقوة الخفية عند الساحر يستمدها من نفسه أو من الآخرين. كل ذلك يؤدي في النهاية إلى أن يقع الشيء الغريب.

كان كراولي يستعين بالكلمات الفرعونية. لأنه يستدعي الإله تحوت. والسحرة الآخرون كانوا يستعينون بآلهة الإغريق. ولذلك فكلماتهم يونانية الأصل. وبعضهم يستدعي آلهة أو شيطان من الهند، ولذلك كانت لغتهم هي اللغة الأردية. وبعضهم استعان بالغة العبرية أو الآرامية أو الأكادية أو السريانية. كل واحد حسب المصدر الخفي الذي يطلب منه المدد الروحي.

لا أحد يعرف كم هو عدد السحرة في الشرق أو الغرب. وسوف نختار أربعة من أشهر الذين هزوا أوروبا في العصور الوسطى والحديثة. واحد منهم اسمه الدكتور دي ولد سنة 1527. أ[وه موظف في بلاط الملك هنري الثامن في بريطانيا. هذا الرجل درس في الجامعة وعمل فيها مدرسا للهندسة. وألقى محاضراته في لندن وباريس. وانتقل من تدريس الهندسة إلى تدريس الفلك والكيمياء. ثم أصبح أستاذا. ولكنه عثر على كتاب اسمه الفلسفة الخفية الذي ألفه الساحر الشهير أجريبا. وهنا توقف الدكتور عن الدراسة والتدريس. وأحس أن قوة خفية تناديه وتطلب إليه أن يتفرغ لهذا النوع من العلم أو الفن.

عرفت الملكة إليزابيث الأولى بقصة هذا الرجل وقدرته على التنبؤ. فطلبت إليه أن يختار لها أحسن الأيام ليتم تتويجها فيه. واختار لها اليوم. وكانت هذه الملكة بخيلة فظل هذا الرجل فقيرا حتى الموت. ولم تكن تظهر شمس أو تغيب. إلا وهذا الساحر إلى جوارها يعرض عليها معنى الأيام ومستقبل الأحداث. وتزوج إحدى وصيفاتها التي أنجبت له ثمانية من الأولاد. تنبأ هو بميلادهم واختار لهم الأسماء قبل أن يولدوا.

كان الدكتور دي حريصا جدًا في تعامله مع الملكة ومع الناس. ففي ذلك الوقت كانوا ينظرون إلى الساحر على أنه رحل شرير وفي حالة استعداد دائم لإيذاء أي أحد من الناس.

هذا الرجل قرأ في كتب السحر العربية القديمة قصة عنوانها فاطمة بنت حسن المصري. ولا أحد يعرف حتى الآن كيف عثر عليها. وكيف أن هذه القصة قد وجدوها بين أوراقه مكتوبة باللغة العربية. وكان يعرف اللغة العربية. ولكن أحدا لا يدري كيف ومتى وأين تعلمها؟

وجدوا رسالة موجهة إلى فاطمة المصري التي تسكن دمشق يقول فيها: لا علاج لك إلا إذا جئت إلى لندن. وإذا جئت إلى هنا فسوف يحبك رجل لم يكن في حسابك. ولا كنت أنت في حسابه. وفي هذا الحب علاج لكما معا. ولكن هذا العلاج يجب أم يبقى سرا. فإذا افتضح أمره. فالموت لكم جميعا. أنت وهو والحب.

يقول الدكتور دي أن فاطمة هذه قد سافرت إلى لندن. ولا نعرف بعد ذلك ما الذي حدث.

واهتم الدكتور دي بالنظر في الكرة الكريستال. فقد كانت من عادة السحرة في ذلك الوقت أن يأتوا بكرة من الزجاج ويضعون هذه الكرة أمام الإنسان. ويطلبون إليه أن ينظر فيها. وأن يركز انتباهه. وعن طريق تركيز الانتباه التام يستطيع الساحر أن يقرأ أفكار الآخرين. أو ينقل إليهم أفكاره.

   في مصر مارس هذا الفن كثيرون. وكان من بينهم الراهب الإيطالي الذي مازال حيا جيسي فردي. ولكن فردي لم يعد يحتاج إلى كرة الكريستال وإنما يكتفي بالنظر إلى الآخرين والنفاذ إلى أعماقهم.

مما يرويه الدكتور دي في مذكراته الخفية, أنه يعتمد على رجل وسيط. أي رجل عنده هذه القدرة الخفية ويمكن عن طريقه الاتصال بقوى أخرى. أو بأرواح طيبة أو شريرة. ولكن الدكتور دي كان يستعد لذلك استعدادا روحيا خاصا. فكان يصوم أسبوعين لا يذوق إلا الماء وإلا القليل من السكر. ولا يشرب الخمر. ولا يلمس زوجته. ويظل يصلي من الصباح حتى المساء. وفي نفس الوقت كان هذا الرجل الوسيط يطيل النظر في الكرة الكريستال. وبعد أسبوعين يرى هذا الرجل أشباحا ويسمع موسيقى.

يقول الدكتور دي أنه لم ير شيئا من ذلك. ولكن استطاع أن يجري حوارا مع هذه الأرواح التي تلبست أو تقمصت أو تجسدت أو تسللت إلى جسد هذا الرجل الوسيط. وكان الحوار في الطب والفلك والرياضيات التي لا يعرف منها الوسيط شيئا. وكان الحوار يدور بالغات اليونانية واللاتينية والعبرية والعربية. وكلها لغات لا يعرفها الوسيط.

الدكتور دي عاش سنوات طويلة على أمل واحد. أن تعاونه الأرواح على أن يكون غنيا. ولكنه عاش ومات فقيرا. وقد دخل التاريخ سابقا لعصره بمائتي سنة. فقد كان أول رجل استطاع أن يجري صلة بين الأرواح عن طريق وسيط. أما هذا الوسيط فقد دخل السجن بتهمة السرقة. وقطعوا أذنيه عقابا على تزويره في أوراق رسمية. فقد كان يتعجل الثراء، الذي لم يأت قط.

في سنة 1801 ظهر في لندن كتاب اسمه الذكاء السماوي. من تأليف فرنسيس باريت. في الصفحة الأولى هذه العبارة: نحن في عصر النور. العقل سيد الكون. لم يعد أحد يصدق إلا ما تراه عيناه. وتلمسه يداه. وتتذوقه شفتاه. إلى هذه الدرجة أصبح الإنسان ماديا. ولكن الإنسان بخياله وأحلامه وطموحه وعدم قناعته واقتناعه بما يراه ثم تعطشه إلى المجهول، سيظل دائما يبحث عن الشيء الذي وراء الأشياء. ولذلك سوف يكون السحر والأرواح شيئا منعشا للعقل نفسه.

هذه العبارة لا يمكن قد قرأها المستشار عبد المنعم الزهيري. لأن هذا الرجل لا يعرف اللغات الأجنبية. ثم إنه عاش معظم حياته أعمى. ولا يمكن أن يكون قد عرف شيئا عن هذا الكتاب الذي ألفه فرنسيس باريت. ولكن المستشار الزهيري يقول أيضا: لم يعد أحد يصدق قصص العفاريت والأشباح. ولكن أهل الريف يصدقون ذلك. ليس لأنهم جهلاء. ولكن لأن فطرتهم سليمة وشفافيتهم مؤكدة. وقد سمعت من جدتي أنها كانت تقول: يجب أن أذهب إلى فلانة لأن لديها نزيفا. وكانت تذهب إليها فتجدها مريضة كما توقعت تماما. وكانت جدتي تقول: إن أمي كانت مثلي وكذلك حالاتي وعماتي. وكنت أسمع من أبي أنه كان ينظر إلى الواحد فيقول له: خد يا ابني هذا الجنيه. ليس في جيبك غير خمسة قروش. وكان الناس يصرخون من الدهشة فقد كان أبي يعرف تماما إن كان الذي أمامه يملك مالا أو لا يملك. وكان يقول أيضا: ليست هذه صفة خاصة عندي. وإنما نحن جميعا نشعر بما عند الآخرين من ضيق.

يقول المستشار الزهيري: ولكن العقل الإنساني مهما كان مسيطرا علينا، فإنه لا يستطيع أن يفسر لنا لماذا يستريح الواحد إلى إنسان آخر بمجرد أن يراه. أو لماذا يشعر بالضيق في بيت من البيوت. وإذا سأل عن هذا السبب وجد أن به قتيلا. أو أنه ينام فوق مقبرة.

لا يستطيع العقل أن يفسر لنا كيف يمكن شفاء الإنسان بمجرد زيارة ضريح أحد أولياء الله الصالحين. ولا يستطيع العقل أن يقول لنا: كيف يمكن لرجل طيب أن يلمس إنسانا مريضا، فإذا هو قد شفي من مرضه. أو سقطت عنه أوجاعه.

إن الذي يقوله المستشار الزهيري لا يختلف في شيء عن الذي قاله باريت في أوائل القرن التاسع عشر. فكلاهما يتحدث عن عجز العقل عن تفسير شيء. ثم هذا العجز هو الذي يجعل الخيال يكمل الطريق الذي وقف العقل عند أوله.

في القرن التاسع عشر ظهرت قصص الأشباح والعفاريت. وأقبل الناس عليها بجنون. حتى امتلأت الدنيا عفاريت. والحقيقة أنها لم تمتلئ. ولكن العقل الإنساني ملأها بعلامات الاستفهام. ثم جعل لهذه العلامات أسماء العفاريت والأشباح واللاشعور والقوى الخفية. واللامعقول واللامنطقي.

بعد تسع سنوات من ظهور كتاب باريت هذا ولد في باريس واحد من أشهر السحرة في كل العصور اسمه اليفاس ليفي.

في سنة 1822 عندما كان في الثانية عشرة من عمره أحس ليفي أن لديه رغبة قوية في دراسة الدين. واتجه إلى دراسة اللاهوت وأصبح قديسا. ولم يكن يريد الدين لذاته، وإنما يريد الدين وسيلة، وإلى العالم الآخر. إلى عالم الروح. ولكنه لم يتقدم كثيرا. ولا لمس في نفسه أية قدرة غير عادية. فترك الدراسة الدينية، وضاقت أمه بذلك فانتحرت. وأحس أن أمه قد ماتت لكي تتحدث إليه من العالم الآخر. وأنه سوف يشرح لها كل شيء عندما يصبح قادرا على الاتصال بها. ولم يفلح في ذلك حتى الموت.

هو يؤمن إيمانا مطلقا بأن الإنسان عبارة عن كون صغير. كما أن الكون عبارة عن إنسان كبير. فكل شيء له قواعد. وكل شيء له حكمة. وهو يؤمن بالعبارة التي جاءت على لسان الملك الإله تحوت والتي تقول: كما فوق، كما تحت.

أي كما يجري كل شيء فوق، يجري كل شيء تحت. أي أن الحكمة وراء الكون هي نفس الحكمة التي وراء الإنسان.

من أشهر التجارب التي قام بها في ذلك الوقت أن طلبوا إليه استحضار روح ساحر الأفريقي أبولونيوس، وقد

 تهيأ ليفي ذلك. فصام شهرا كاملا. وأغلق على نفسه حجرته. وأشعل البخور وملأ أكوابا بالماء. وظل يقرأ طقوسا عبرية وفرعونية وفجأة ظهر شبح وسط الدخان وظل الشبح تتضح معالمه حتى رآه عشرون من رجال الطب والهندسة والقانون في عصره.

يقول ليفي في وصف هذه التجربة: لقد أعددت نفسي تماما لهذا اللقاء. ولا أدعي أنني كنت قادرا على احتمال هذه التجربة. وإنما أحسست بالكثير من الشفافية. لدرجة أنني كنت أعرف ما الذي سيقوله كل الذين حولي قبل أن ينطقوا. وفجأة أحسست أنني مسلوب القوة. وأن الحرارة قد هربت من كل جسمي. وأحسست أيضا نوعا من الخدر في ذراعي وساقي. وفجأة ظهر شيء أمامي. شيء يخيف. أبيض بلا لحية.

لم أجد عندي قدرة على أن أتحدث إليه. وحاولت أن أشير إليه أن يتكلم هو. أو يكتب شيئا على المنضدة. ولكني لم أستطع. وأخيرا سمعته يقول لي: تريد تسألني عن فلان وفلان. إنهما مريضان وسوف يموتان في يوم واحد.

يقول ليفي: إنني طلبت شيئا صعبا فليس من الحكمة للإنسان إذا كان ضعيف العينين، أن يحملق في الشمس. ولذلك يجب أن أنتظر حتى تصبح عندي قدرة قوية على النظر إلى الشمس. أو إلى الاتجاه إلى عالم الروح.  

أعطى نفسه عشر سنوات من الدراسة والتأهيل الروحي لذلك. واتجه ليفي إلى دراسة كتب الكبالا القديمة. ولخص موقفه الروحي هكذا.

أولا ـ أن إرادة الإنسان قوة عظمى وأنها أعظم بكثير جدا مما نتصور. أو بعبارة أخرى أن الإنسان لديه قدرة هائلة على الصوم، أي قدرة على الامتناع عن الطعام والشراب. دون أن يصاب بضرر. ولكن الإنسان لأنه لم يجرب ذلك، فهو لا يعرف هذه الحقيقة. أي أن إرادة الإنسان في الامتناع عن الطعام أعظم وأقوى مما يتصور. وكذلك إرادة الإنسان وسيطرته على نفسه، على رغباته وسيطرته على الألم قوية جدًا. ولكن الإنسان يجرب ذلك كثيرا. أو مطلقا.

ثانيا ـ كما أن الماء ينتقل في القنوات. وكما أن السحب تتحرك في الهواء. فهناك في الكون كله ضوء. أو نور سماوي. هذا النور السماوي على شكل شعاعات. هذه الشعاعات أو هذه الأشعة هي التي تنقل أفكاري إليك. وتنقل أفكارك إلى عقلي أيضا. تماما كما ينتقل عبر هذه الشعاعات أو الإشعاعات السماوية. فأستطيع أن أعرف ما يدور في رأسك. وأتدخل فيه أيضا.

ظلت كتب السحر ليفي من أهم المراجع في عالم السحر. وعندما توفي هذا الرجل في ظروف غامضة، حزن عليه الكثيرون من المشتغلين بالسحر. فقد كان الرجل الجاد. وكان لا يدعي لنفسه قدرات خارقة. وإنما كان يقول: إني أنظر إلى أشياء غريبة في جسمي ونفسي. أرقبها. وأدرسها. وأرصدها وأصفها. ولكني لا أعرف بالضبط ما الذي في داخلي. لا أعرف كيف. وتمنيت طول عمري أن أعرف. ولكن سوف أموت، دون أن يتحقق هذا الأمل. لأنني لا أستطيع أن أضم أصابعي على هذه القوة الخفية. لا أستطيع أن أراها، ولا أن أعرضها على أحد من الناس. فلا هي شيء ملموس ولا هي شيء تمكن رؤيته.          

أعتقد أنه صادق في هذه العبارة. وأن هذه العبارة مطبوعة على لسان كل من لديه نوع من القلق العقلي والوجداني. أي أنها التعزية التي يقولها الإنسان لنفسه كلما وجد نفسه عاجزا عن فهم نفسه أو غيره أو مستقبل الإنسان.

في سنة 1831 ولدت في روسيا سيدة لا تقل خطورة عن ليفي هذا. إنها السيدة إلينا هان. من عائلة غنية. تزوجت في السادسة عشرة وأصبحت تسمى مدام بلافاتكسي ولكن سوف أختار اسمها قبل، لسهولته. إنها السيدة هان. لقد هربت من زوجها بعد 16 ساعة من الزواج. لماذا؟

تقول زوجي رجل ليس عنده إحساس. إنه رجل يتوهم أن الرجولة هي كل ما تريده المرأة. إنه مجموعة من العضلات. إنه رأس. إنه عينان. إنه غني. ولكن ليس لديه إحساس بأي شيء آخر. لا هو يعرف الحب. ولا هو يعرف الحنان ولا هو يعرف معنى العلاقة الروحية بين الناس. ولا يتصور أنه من الممكن أن يشبع الإنسان من الكلام أكثر من الطعام. وأن الطعام دون كلام يصد النفس عن أي شيء آخر. إن زوجي رجل جبان. وأنا أشجع منه ولا شيء يدل على شجاعتي إلا أنني تركته عندما قررت ذلك.

لكن السبب الحقيقي إلى جانب هذا كله أن السيدة هان عندها إحساس غريب بأن تبتعد عن الرجال. بأن تكون لها حياة نظيفة. تصوم بعض الوقت. تتأمل أكثر الوقت. ومن الغريب أنها ذهبت للعمل في سيرك متنقل. وأن اللعبة التي اختارتها هي أن تركب الخيول بلا لجام. وأن تقف فوقها. هنا فقط أدركت هي أن لديها قوة غريبة. هذه القوة التي تجعلها تقف على الحصان وكأنها مغروسة في ظهره. ومهما فعل الحصان فإنها لا تهتز ولا تسقط. والناس يصفقون لذلك. ولكنها وحدها هي التي تعرف الحقيقة.

شيء آخر طرأ عليها. أنها إذا جلست في مكان فإن الناس يسمعون أصوات أجراس ترن في الغرفة. أو يسمعون الموسيقى. ويتلفت الناس حولهم فلا يجدون شيئا ولاحظت أيضا أن الملاعق والأشواك والسكاكين تجري إلى أصابعها. وفي سن الأربعين قررت أن تتفرغ لدراسة القوى الخفية. وسافرت إلى أمريكا.

في أمريكا كونت جمعية اسمها جمعية الحكمة الإلهية. هذه الجمعية كانت لها فروع في القاهرة من ثلاثين عاما.

أما هذه الجمعية فتقول عنها السيدة هان: إنني على صلة روحية بكهنة مدينة الأقصر. وهؤلاء الكهنة هم الذين أعطوني سر قوتي. وانتشرت هذه الجمعية وزاد أعوانها. وكانت تبهر أعضاءها عندما تجلس إليهم. فلا يكاد الواحد منهم يسألها عن شيء حتى يجد الكثير من الأوراق قد سقطت من السقف وعليها الإجابة.

انتقلت إلى الهند. وفي الهند أعلنت أنها على صلة بعدد من الأساتذة الهنود الذين اختفوا في التبت. وتضاعفت أعداد الذين يؤمنون بها. وزادت الأوراق التي تتساقط من السقف. وامتلأت جيوب المريدين بالأجوبة عن كل سؤال يتقدمون به. فكان الواحد منهم يسألها، فتشير إلى جيبه فيجد الجواب باللغة التي يعرفها.

تركت الهند وسافرت إلى لندن، وأقبل العلماء والأطباء ورجال الذين على جمعية الحكمة الإلهية. ونقلت صورة هرم خوفو على جدران فروع هذه الجمعية وتحت الهرم هذه العبارة. من هذا البناء الشامخ خرجت الحكمة الإلهية. وإلى كهنة مصر الفرعونية يرجع الفضل كله في معرفة العالم الذي وراء هذا العالم.

كان الشاعر العظيم بيتس من أكثر الناس إعجابا بها وإيمانا أيضا. وقد حكا لنا أن في كل مرة يذهب لزيارتها فإن ساعتها المعلقة على الحائط تدق 12 مرة. أيا كانت الساعة التي يجيء فيها إليها. ويقول أنه كان يتعمد أن تكون زيارته مفاجئة وأحيانا كان يخرج. ثم بعد لحظة واحدة يعود. وتدق ساعة الحائط 12 مرة.

على فراش الموت لم تجد السيدة هان أحدا. وكانت تشير إلى الساعة على الحائط أن تدق. وكانت الساعة تدق بلا توقف. وامتدت يدها إلى ورقة إلى جوار سريرها تقول أصدق عبارة. غريب كل صاحب موهبة. أيا كانت هذه الموهبة. غريب في بيته. غريب في هذا العالم. فأين الجريمة وما هو العقاب؟ هل الجريمة أنني صاحبة هواية. وها العقاب أن أحاط بأناس لا يصدقونني ولا يشاركونني.

إنني أموت هنا في لندن. وزوجي في أمريكا. لم أضايقه. لم أعذبه. ولم أتزوجه أيضا. وإنما عشنا معا. لا أنا عبء عليه. ولا هو. ولكنني غريبة. وهذه الغرابة هي الجريمة والعقاب معا، دقي أيتها الساعة دقي. يا أجراسا بغير كنيسة. ويا كنيسة بغير صلاة. يا صلاة بغير قسيس.     

جاءت صاحبة البيت لتجد مدام هان قد وضعت الورود على سريرها. وأطلقت البخور في غرفتها وفتحت النافذة. فدخلت عصافير جاءت في غير موسمها. ترفرف بأجنحتها وتزقزق. والساعة تدق.

يقول المستشار الزهيري في كتابه عندما وصف كيف مات أبوه: لقد عاد أبي من المحكمة. ترافع. وكسب قضية. ومر على المسجد فصلى المغرب. وعاد إلى البيت ودعانا جميعا. والتفت إلى أخي الأكبر وقال له: أنت طلبت مني بطيخة. هذه هي. ولم يكن ذلك موسم البطيخ. وقال لأختي: وأنت طلبت مني قماشا من الحرير الطبيعي . هذا هو. ولم يكن قماشا وإنما فستانا. وجاء دوري فقال لي: وأنت لم تطلب مني حذاء جديدا. ولكني أعرف أنك تريده. وهذا هو. وكنت أتمنى أن أطلبه منه، لولا أنني خجلت من ذلك. ثم التفت إلى أمي وقال لها: وأنت لم تطلب مني شيئا. وإنما طلبت من الله الستر. وقد كتبت لك البيت والعشرين فدانا باسمك. وأستودعكم الله. ومات أبي. وسمعنا جميعا صوتن المؤذن. واندهشت جدًا فقد كان ذلك عند منتصف الليل. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق