الأربعاء، 19 يناير 2011

تلك العين الثالثة التي لا يملكها كل الناس

إن الذي فعله الحاج ميرغى ولم يشأ أن يشرحه أو يفسره.هو جوهر القضية كلها أي السحر والعلم. قضية اللامعقول والمعقول. اللامنطقي والمنطقي. إذن ما هو الطبيعي؟ وما هو الذي ليس طبيعيا؟ هذه هي القضية.

رجل قادم من السودان. ظل طول الوقت ساكنا لا يتكلم إلى أن وصل القطار مدينة أسيوط. اقترب منه الكمساري يقول له: يا عم الحاج ميرغى أنت لا تريد أن تدفع ثمن التذكرة وأنت لا تريد أن ترد على الناس حولك. لولا أنك رجل طيب. ولولا شكلك المهيب هذا لكان لي مع شأن آخر.

لكن الحاج ميرغى لا يرد. ولم يجد الحاج ميرغى طريقة للرد على الكمساري وكل ركاب القطار سوى أن يمسك منديلا. ثم يلف المنديل ويلقي به من النافذة. ويقول لهم جميعا: وهكذا أنتم.

 لم يجد الناس في العبارة أي معنى. ثم مد يده خارج النافذة ويأتي بنفس المنديل ويقول: وهكذا أنا.

لما وجد الناس غير فاهمين لمعنى ما فعل ألقى بالمنديل من النافذة. ثم مد يده فإذا بها أرنب أبيض أطلقه في القطار. ولم يعثر عليه أحد وقال لهم: وهذا هو أنا.

كان ذلك كافيا لأن يمنع الكمساري عن طلب التذكرة. وكان سببا كافيا لأن يمضي الحاج ميرغى في صمته وفي تأملاته حتى وصل القطار إلى القاهرة. واختفى الحاج ميرغى في الزحام. ولكن هذه القصة ظهرت في كتاب للساحر الإنجليزي كراولي وهو أعجب السحرة في كل العصور.

الذي الذي فعله ميرغى، ولم يشأ أن يشرحه أو يفسره هو جوهر هذه القضية كلها. أي قضية السحر والعلم. قضية اللامعقول والمعقول. اللامنطقي والمنطقي. الجنون والعقل.

إذن ما هو الطبيعي وما هو الذي ليس طبيعيا؟

هذه هي القضية بشكل آخر. الطبيعي هو أن نجد الأحداث تمشي على النحو المألوف عندنا. أي الذي نعرفه. ورأيناه ألوف المرات. إذا حدث فإننا نصدقه جميعا. مثلا إذا ألقينا قطعة من الحديد في المساء فإنها تغوص وإذا أمسكنا عصفورا وأطلقناه في الهواء فإنه يطير. وإذا جعلنا الماء يغلي فإنه يتبخر. هذا هو الطبيعي. وهو المألوف عندنا. وحياتنا من أولها لآخرها هكذا طبيعية وأحداثها مألوفة.

فإذا وقع شيء مختلف عن هذا كله فهذا هو غير المألوف وغير الطبيعي. والذي لا يمكن أن يصدقه العقل. مثلا. إذا وضعنا بذرة على الأرض ثم رأيناها تثمر أمام أعيننا. وإذا نحن ألقينا كوبا من السماء مائة كيلو متر فسمعنا، كل فعل الخليفة عمر بن الخطاب فهذا هو غير مألوف. وإذا رأينا أمًا تقفز من مقعدها وتقول: ابني. ابني.

يسألها الناس: ماذا به.

فإنها تقول: أصابته سيارة وهو ملقى في الشارع الآن.

ثم نجد هذه الأم تنطلق فنجد ابنها مصابا كما رأته وملقى على الأرض فهذا هو غير الطبيعي.

إذا وجدنا واحدا يقول: والله فلان وحشنا، وفجأة يتكلم فلان هذا في التليفون. إذا وجدنا أمًا غارقة في النوم، ثم فجأة تقفز من السرير وتتجه إلى غرفة ينام فيها طفلها، فتدركه قبل أن يسقط من فوق السرير. أي أن الأم رغم نومها العميق قد أحست بطفلها، وبما سوف يحدث له. فهذا هو الذي هو ليس طبيعيا.

إذا وجدنا رجلا بدويا يمسك عصا ويمشي في الصحراء. ويدق على الأرض. ويقول: هنا وعلى عمق عشرة أمتار يوجد ماء. فإذا حفرنا الأرض وجدنا الماء على عمق عشرة أمتار. فهذا شيء غير طبيعي. 

إذا وجدنا أبًا يشكو من ألم في أسنانه فجأة. ثم نهض من نومه ويقول: آه يا ضرسي. آه. ويندهش هذا الأب كيف أنه لم يشك قط من وجع في أسنانه. ثم يذهب إلى الطبيب فيؤكد له أن أسنانه سليمة. وبعد أيام يتلقى خطابا من ابن له في الإسكندرية أو في أمريكا يقول له: إنني في صحة جيدة لولا أنني اضطررت إلى خلع ضرسي يوم الأحد الساعة التاسعة. أي في نفس الوقت الذي شكا فيه الأب من وجع مفاجئ في أسنانه.

ثم ما معنى أن يشعر الإنسان أنه يرتبط بأمه التي ماتت أو أبيه لدرجة أنه قبل أن يحدث له مكروه يشعر بصورة أبيه أو بصوته. أو يحس به كأنه حوله أو أمامه يلمح صورته من بعيد. ولا تمضي لحظات حتى يقع شيء يضايقه. قد تكون خناقة أو قد يكون خبرا سيئا. أو يكون كارثة هذا هو الشيء غير الطبيعي. فما معنى هذا كله؟

معناه أن هناك عالمين. العالم المألوف الذي تمشي فيه الأحداث الواحد وراء الآخر. ولكنها مربوطة بسلاسل من حديد. تبدأ من مكان لتنتهي في مكان آخر دون أن يحدث دون أن يحدث أي خلل. وهذا هو المنطقي وهذا هو أساس كل العلوم. أو التفكير العلمي.

هناك عالم آخر. أو دينا أخرى. تكون أحداثها مختلفة. غريبة. ولكنها رغم هذه الغرابة فإنها تقع كل يوم لألوف الناس. ومعنى ذلك أن العقل الإنساني غير قادر على تفسير هذا الذي حدث. وعجز العقل عن فهم ذلك لا يعني أنه خطأ. تماما كما تقول. إننا لا نرى الكهرباء ولا الجاذبية الأرضية، ولكن هذا لا يعني أنها غير موجودة.

لكن يمكن أن يقال: كما أن الهواء ينقل الصوت.فإن هناك شيئا آخر غير الهواء ينقل الأفكار. أو وقوع الحوادث ينقلها إلى عقولنا قبل أن تقع. فالعقل الإنساني والعلم الإنساني، والمنطق غير قادر على أن يفهم أو عاجز عن أن يحتوي هذه الأشياء الغريبة غير المألوفة.

هذا الرجل السوداني البسيط كان بليغا في الأمثلة التي ضربها، وإن لم يقل كلاما كثيرا. ولكنه أكد وبمنتهى السهولة والوضوح. أن هناك نوعين من الناس. أو نوعين نمن التفكير. أو أن هناك عالمين مختلفين تماما. وأنه هو شخصيا واحد من الذين يعيشون في هذين العالمين. وإن كانت لديه هذه القدرة على أن يكون غير طبيعي وأن يكون لا معقولا.

أما كيف يحدث ذلك من بعض الناس؟ فقد أجبت على هذا السؤال بأشكال مختلفة في المقالات السابقة. ولا مانع عندي من أن أعيد الإجابة بصورة أخرى.

فأقول أن الأم التي تشعر بما سوف يحدث لابنها أو لطفلها هي أحسن نموذج لكل هذه الأشياء الغريبة. فالأم مرتبطة بابنها ومشغولة به. وتتمنى لو كانت على صلة وجدانية أو عقلية به. فهو وإن كان بعيدا عنها، لا يغيب عن شعورها. فشعورها ورغبتها القوية في أن تكون على صلة به. هذا هو أساس كل القوى الخفية الكامنة فينا.

هذا ما يحدث بين المحبين أيضا. أي لابد أن نريد. أي لابد أن تكون إرادتنا قوية عميقة. فإذا أردنا وبعمق، فإننا نفتح على أنفسنا وفي أنفسنا ينابيع القوى الهائلة في كل إنسان: قوة السمع عن بعد. والرؤية عن بعد. والإحساس بالحوادث قبل أن تقع.

ونقل أفكارنا إلى الآخرين والتأثير فيهم.

نعود إلى الحاج ميرغى في قطار الصعيد سنة 1936 فنجد أن الكمساري عندما طلب إليه أن يدفع التذكرة، أمسك الحاج ميرغى بورقة وجعلها على شكل قرطاس ووضعها على أذنه لحظة. ثم أعادها إلى مكانها في جيبه وقال للكمساري: هل أقول لك شيئا وتبعد عني؟

فقال الكمساري: قل يا حاج.

قال الحاج ميرغى: جاءك مصطفى. مبروك.

فسأله الكمساري: من هو مصطفى؟

قال الحاج ميرغى: زوجتك أنجبت ولدا منذ ساعتين. وينادونه يا مصطفى كما كنت تتمنى.

ذهل الكمساري وانهال يقبل يدي الحاج ميرغى. فقد كان يتوقع أن تلد زوجته في ذلك اليوم أو في اليوم التالي. وكان يتمنى أن يرزقه الله بولد ليكون اسمه مصطفى. فقد مات له ابن قبل وكان اسمه مصطفى.

الذي يهمني في قصة الحاج ميرغى هذه هو هذا القرطاس الذي وضعه على أذنه. إنه تعبير ساذج لمعنى عميق جدا وهو أن هؤلاء الناس أصحاب القوى الخفية لديهم هذه القدرة على أن يسمعوا ما لا يقوى أحد على سماعه، وأن يروا ما لا تراه العيون. وليس هناك أي تفسير علمي لهذا كله. ولكن عجز العلم عن التفسير لا يدل على أن الذي يحدث كل يوم، وقد حدث ألوف المرات، وسوف يحدث، أكذوبة أو خرافة. وإنما فقط هو شيء بعيد عن أصابع العلماء.

قبل أن يموت الحاج ميرغى بيوم واحد جمع أولاده الستة وزوجته وقال لهم: استغفر الله. استغفر الله. يا أولادي سوف أموت غدا عصرا. إنني لا أعلم الغيب فالله يقول ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ). ولكن سمعت من يقول ذلك. والله أعلم من الذي قال. وسوف يمشي في جنازتي فلان.

فقالوا له: إن فلان هذا في الخرطوم. ويستحيل أن يجئ غدا عصرا.

قال الحاج ميرغى: سمعت من يقول في أذني ذلك. ولن يمشي في جنازتي فلان لأنه قد سقط من فوق السلالم.

في اليوم التالي توفي الحاج ميرغى. وسار في جنازته الرجل الذي كان في الخرطوم. فلم يعرف أولاده أن هذا الرجل قد جاء إلى القاهرة قبل ذلك بثلاثة أيام. أما الرجل الذي توقع ألا يمشي في جنازته فقد سقط من السلالم في نفس اللحظة التي جمعهم فيها الحاج ميرغى.

يقول الساحر الإنجليزي كراولي تعليقا على شخصية الحاج ميرغى: جلست إليه في القاهرة مرتين. ولم يدر بيننا كلام كثير. ولكنني عرفت قدرات الرجل. وعرف هو قدراتي ولم نسترح لهذا اللقاء. فنحن مختلفان تماما. هو رجل صلاة وورع وتقوى. وأنا رجل أرى أن الجنس والحب كالنار بالنسبة للمعادن. لابد أن تدخل المعادن النار لتصبح أصفى وأقوى. وأرى أن الجنس حالة نفسية يذوب فيها الإنسان ويصبح أكثر صفاء. وأن ديانتي هي نفس الديانة الفرعونية القديمة. هي نفس الديانة الإغريقية التي تؤمن بأن الإنسان لن يحقق الراحة التامة والصفاء المطلق إلا بأن يذوب في الآخرين. إلا بالجنس.

لذلك فإن الساحر كراولي هذا قد استحق لعنة رجال الدين في كل مكان. ولكنه ظل يدعوا إلى هذه العقيدة الشريرة. وكان له أتباع كثيرون. والساحر الإنجليزي كراولي كان شاعرا يباهي الناس بأنه ولد في نفس البلدة التي ولد فيها الشاعر العظيم شكسبير. ويقول كراولي: ما الذي يحدث في الحب؟ كيف يستطيع أن يجعل فتاة تحبه. خصوصا إذا كانت هذه الفتاة صعبة.

جميلة غنية وليست في حاجة إلى الحب لأنها غارقة في حب رجل آخر. ماذا يحدث؟ وكيف يستطيع واحد أن يقنعها بأن تحبه، رغم أنها في حالة حب رجل آخر. كيف يجعلها تحبه وهو ليس الرجل النموذجي. ولا الصورة التي تحلم بها. ولا كان في تقديرها أن تحبه. وكيف أنها تحبه، وفي نفس الوقت ليست مقتنعة به. وعندما تسأل صديقاتها عنه. يقلن لها أنه قصير. إنه بكرش. إن صوته قبيح. إنه بخيل. ومع ذلك فإن هذه الفتاة تحبه. وتموت فيه؟

يقول كراولي تفسيرا لذلك: السبب بسيط جدا. أن هذا الرجل قد استدعى احتياطي قواه الخفية. وركزها عليها. وظل ينقل فكره إليها. وهي تقاومه. ولكنه ماض في التركيز عليها. وليس هذا شريرا. وإنما الحب كله هكذا. استعداد بين طرفين لأن ينقل كل منهما أفكاره إلى الآخر. وعندما تتم عملية التنقل المتبادل، أي تبادل القوى، يتحقق الحب. فالحب إرادة اثنين معا في أن يكون شخصا واحدا. أما الأسلوب الذي اتبعه الاثنان فهو، الضغط الفكري كل منهما على الآخر.

ويذهب الساحر كراولي إلى أبعد من ذلك في الكلام عن الحب والجنس والعبادة ويرى أنها جميعا تعتمد على شيء واحد. أن يذوب واحد في واحد. أن يذوب فكر في فكر أو جسم في جسم أو إنسان في الله.

هذا الساحر الإنجليزي كراولي قد توفي سنة 1947. وهو أيضا يعتمد على أوراق البردي الفرعونية. ويروي أن الفراعنة كانوا أعظم السحرة في كل العصور. أما الإله الذي اختاره كراولي فهو حورس. وكان يضع اسمه ورمزه على كل الجدران.

عندما جاء إلى القاهرة عثر على لوحة اسمها لوحة الرؤيا وهذه اللوحة ترجع إلى أربعة آلاف سنة. ويقول أن صاحبها اسمه: عنخ خنسو. وإن هذه اللوحة مكتوب عليها. إن سر الكون إنما يوجد وبكثرة تحت جلدك. فلا تبحث عنه بعيدا عن نفسك.

عندما جاء كراولي إلى القاهرة التقى بعدد من رجال الدين المسلمين والمسيحيين وعرض أسلوبه عليهم في استخدام قواه في تحريك الأشياء واستدعاء الأرواح والأشباح وشفاء الجروح. ووجد أن عددا كبيرا من رجال الدين لديهم مثل هذه القدرة ولكنهم يخجلون من التحدث عنها. إما تواضعا أو خوفا من أن يتهمهم أحد بالتحريف.

واحد اسمه الشيخ عبد الله المنياوي. كان يسكن حي الأزهر. وكانت له غرفة فوق السطوح. وكان مفاتحها في جيبه. ولم يلاحظ الناس أن أحدا زاره في أي وقت. ومع ذلك ملابسه مغسولة. وطعامه جاهز. ساخن معظم الوقت. وقد زاره الساحر الانجليزي كراولي خمس مرات.

في الطريق إلى غرفة الشيخ المنياوي سأل كراولي: هل تشرفني بتناول الغداء معي.

قال كراولي: سيرني ذلك.

قال الشيخ: يؤسفني أنني لا أستطيع أن أقدم لك لحم الخنزير. إلا إذا كنت مصرا على ذلك.

ووجدها كراولي فرصة ليتحدى الشيخ المنياوي وفي نفس الوقت ليعرف حدود قدراته.

لكن كراولي لم يرد. فعاد الشيخ المنياوي يقول له: ويؤسفني ألا أقدم لك الخمر في غرفتي المتواضعة. إلا إذا أصررت على ذلك.

لم يشأ كراولي أن يرد. وقبل يضع الشيخ المنياوي المفتاح في باب غرفته فاجأه كراولي قائلا: فعلا أريد أن آكل لحم الخنزير وأريد بعض النبيذ الفرنسي.

ضحك الشيخà المنياوي وفتح الغرفة. ووجد كراولي لحم الخنزير وزجاجة النبيذ الفرنسية.

أنتهز كراولي هذه القصة ليبين للشيخ المنياوي أنه أيضا ساحر من نوع آخر. فخلع كراولي أكثر ملابسه وراح يردد كلمات فرعونية والشيخ يستعيذ بالله وقد أحنى رأسه. وبعد دقائق من الصلوات الغريبة والصرخات المكتومة. رفع الشيخ رأسه فلم يجد الطعام.

هذا الرجل كراولي كان يدعي لنفسه أشياء كثيرة. وكان شخصا كريما. وله صوت مزعج قبيح. وكان عصبي المزاج يهتز لأي شيء، كأنه ورقة على شجرة في مهب الريح دائما.

قد أنشأ جمعية اسمها جمعية الفجر الذهبي وقد اختلف مع جميع أعضائها. وترك انجلترا. وسافر إلى فرنسا وإلى مصر وإلى الهند وتزوج عددا كبيرا من النساء. ثلاث منهن انتحرن. وثلاث أخريات أصبن بالجنون. ومات جميع أطفاله من جميع زوجاته. وكانت زوجاته أجمل نساء انجلترا وفرنسا وإيطاليا والهند. أما زوجته المصرية. فقد التقى بها عند أهرام الجيزة. كانت فتاة في العشرين من عمرها. لا تعرف الانجليزية. ولكنه كان يعرف اللغة العربية. سألها: هل هذه هي أول مرة ترين فيها الأهرام؟

قالت: نعم.

قال: وهذه أول مرة تتحدثين إلى شاعر إنجليزي.

قالت: نعم.

قال: هل لو قلت لك أنك أجمل فتاة في الدنيا. وأن عينيك هما قطعتان من الماس. وأن صدرك من المرمر. وأن شعرك من الذهب. وأن أسنانك من العاج. وأن أصابعك من اللوز، وأن شفتيك من الكريز، هل أكون أول إنسان أحب من أول نظرة ويتمنى أن يتزوجك فورا ليكون لك ثلاثة أولاد. لهم أسماء إخوتك الثلاثة. محمد، وأحمد، وعلي. وأن يكون محمد مهندسا، وأحمد مدرسا، وعلي طبيبا.

انهرت الفتاة ولما أفاقت وجدت نفسها في بيتها. وقد التفت الأسرة كلها حول هذا الرجل الانجليزي الساحر الكلام والعينين. والذي دوخ الفتاة عندما عرف أسماء إخوتها وماذا يعملون بالضبط.

سافرت الفتاة عائشة وراءه. إلى فرنسا وإلى الهند. وماتت في إيطاليا في ظروف غامضة. ثم إنه استخدمها وسيطا وكانت على قدر عظيم من الشفافية. واستطاع كراولي هذا أن يضع الأسس للتدريب النفسي ـ أي لجعل الإنسان مستعدا للتأثر بالآخرين والتأثير فيهم ـ ففي كتبه العديدة شرح نظرية الخيال بالتدريب.

أي أن الإنسان يستطيع أن يدرب خياله. فيتخيل أنه يرى أشياء ليست موجودة. ثم يقوم بإضافة الكثير إلى الصور أو الأشخاص الذين يتخيلهم  وتدريب الخيال وتطويعه شرط أساسي لاستخراج القوى الخفية في داخلك. وهناك نظرية أخرى هي. أن تحب ما تكره، وأن تكره ما تحب. وهذه النظرية تدعو إلى أن يقوم الإنسان بتطويع رغباته والسيطرة عليها.

عن طريق التطويع النفسي لأي شيء وكل شيء. يصبح الإنسان سهلا، أي يمكن التأثير فيه. وفي نفس الوقت يصبح قادرا على التأثير في الآخرين. وكما حدث كثيرا قبل ذلك لابد أن تكون نهاية الساحر سوداء.

لماذا؟ لأن الساحر يصطدم عادة بالناس أو بالقانون. أي بإيذاء الناس. وهنا يستعديهم عليه. ويضعونه في السجن. أو يطاردونه. ولكن كراولي قد اختار لنفسه نهاية سيئة، رغم حرصه الشديد على أن يظل ساحرا باهرا حتى النهاية. فقد لاحظ كراولي أنه مع تقدم السن بدأ يستعير البلادة والخمول. بدأ يحرك مشاعره فلا تتحرك. تماما كما يتمرد الخدم على صاحب البيت. يناديهم فلا يردون، أو تماما كما ترفع سماعة التليفون وتدير القرص ولكن أحدا لا يرد. إما لأن التليفون ضعيف الحرارة. وإما لأنه عاجز عن تجميع الأرقام. أو لأن أصحاب هذه الأرقام ليسوا في بيوتهم.

النتيجة أ، أحدا لا يرد ولذلك لجأ كراولي إلى تعاطي الهيروين والكوكايين قصد تنشيط حواسه. وأدمن هذه المخدرات. وقدمها للناس أيضا. لقد أرهق نفسه حتى احترق. أي سقط من شدة التعب. وانهار من كثرة الإرهاق. وتكوم كمجموعة من الأسلاك الرفيعة والمسامير، كانت في يوم من الأيام جهازا شديد الحساسية.

سوف يظهر رجال كثيرون في كل بلد، وعندهم هذه القدرات الغريبة العجيبة. وظهورهم يؤكد أن هناك قدرات هائلة عند بعض الناس. وهذا يدعونا إلى التفكير وإلى التساؤل من جديد: كيف يحدث ذلك؟

الجواب يكون دائما: أنه يحدث.

السؤال دائما: كيف؟  

الجواب: لا نعرف. ولكنه يحدث.


هناك تعليق واحد: