الخميس، 20 يناير 2011

أولئك الذين يعرفون أين يوجد الماء تحت الأرض

كيف يستطيع إنسان بعصا خشبية أن يعرف الماء والبترول والمعادن تحت الأرض بعشرات الأمتار و كيف يستطيع بمجرد " بندول" أن يحدد مكان تواجد الشخص المُختطف ؟!

 

إذا جلست إلى توفيق الحكيم أو يوسف وهبي فسوف تسمع قصصا أعجب من هذا الذي رويت. وكل واحد منهما له تجارب شخصية مع أناس لديهم قدرات خفية.

آخر ما سمعت. وما رواه فنان الإسكندرية سيف وانلي. فقد أملى عليه جده عرفان باشا تاريخ مصر. وكان سيف وانلي يكتب تاريخ مصر مستخدما الفنجان الذي يتحرك ويتوقف عند الحروف المكتوبة على إحدى المناضد. وقد قرأت أنا صفحات من تاريخ مصر التي أملاها عرفان باشا الذي توفي من وقت طويل.

أغرب من ذلك الفنان سيف وانلي قد اكتشف أخيرا أنه ولد في نفس اليوم والشهر الذين ولد فيهما الفنان الهولندي الكبير رمبرانت بفارق ثلاثة قرون. وأنه يشعر كثيرا عندما يرسم أن الذي يحرك يده هي روح الفنان رمبرانت.

أعجب من ذلك أن سيف وانلي عندما ينظر إلى اللوحة البيضاء أمامه، فإنه لا يراها بيضاء. وإنما يراها نصف مرسومة. ثم يحرك الفرشاة يكمل اللوحة. إن أحدا من الواقفين معه أو حوله لا يرون ولا يحسون بما يحس. ولكنه وحده الذي يتجه بقوة خفية في داخله إلى تحقيق ما يدور في عقل رمبرانت.

إن عبارة غريبة جاءت في مذكرات ليونارد دافنشي، أعظم العقول في العصور الوسطى. تقول العبارة: إن اللوحة التي أرسمها قد رأيتها في نومي بكل تفاصيلها. ولكن عندما أنهض لكي أرسمها فإن يدي لا تطاوعني. وفجأة أشعر أن هواء عاصفا قد دخل في أذني. واستولى على ذراعي. وإذا بي أتفرج على الشيء العجيب الذي تفعله يدي. وكأنها ليست يدي.

إنه نفس المعنى الذي يقوله سيف وانلي الآن، ولم يشأ أن يفعلن ذلك منذ أربعين عاما. إنه عالم عجيب ذلك الذي يحيط بنا، ويؤثر فينا، ولا ندري كيف في سنة 1960 صدر في باريس كتاب بعنوان يوم السحرة. مؤلف هذا الكتاب اسمه لوي باولز. وعلى الغلاف هذه العبارة: اقرأ هذا الكتاب /ن أي مكان. واستبعد ما تراه. اقرأه من الأول من الوسط. أو من الآخر. لا يهم. فسوف تصل من أي مكان إلى المعنى الذي أريده، أما الكتاب فقد ضم موضوعات كثيرة. الرؤية عن بعد. السمع عن بعد. اللمس عن بعد. توارد الخواطر. الأطباق الطائرة. سكان الكواكب الأخرى. معجزة بناء هرم الملك خوفو. الفلكيون الذين اعتمد عليهم هتلر. قراءة الكف. قراءة الفنجان. ضرب الرمل. الحب الذي يصنع المعجزات. يعطي الشجاعة للجبان، والقوة للمريض، والمعنى للحياة. أشهر العشاق في التاريخ.

هذا الكتاب له معنى واحد. إن العالم الذي نعيش فيه أغرب وأعظم مما تتصور. وأن العقل الإنساني لا يستطيع الإحاطة به. وأقبل الشباب على هذا الكتاب، ولم يكن الشباب مهتما بعجز العلم عن الإحاطة بعجائب الأشياء ولكن هذا الكتاب قد أثار خيال الشبان وجعلهم يفكرون في الكواكب الأخرى والحياة فيها وهل صحيح أن هناك حضارات أخرى. وأن أبناء هذه الحضارات قد هبطوا وتركوا آثارهم؟

قد ساعد على إطلاق الخيال أننا دخلنا في عصر الفضاء وسفن الفضاء والهبوط على القمر وعلى المريخ والزهرة. وأن هناك هيئات علمية ترصد الأصوات القادمة من الفضاء الخارجي. وأن علماء عظماء قد أكدوا لنا، أن هناك كائنات أخرى أكثر عقلا وتطورا وأن أجهزتنا الحديثة أفلحت في التصنت عليها. وأننا قررنا أن نعلن لهذه الكائنات عن وجودنا. ولذلك أطلقنا سفنا فضائية تحمل لوحات تدل على وجودنا. من بين هذه اللوحات لوحة رسمها العالم الكبير كارل ساجان وزوجته. هذه اللوحة عليها صورة رجل وامرأة. وعليها صورة الشمس وكذلك المجموعة الشمسية وموقع الكرة الأرضية من هذه المجموعة. وعلى هذه اللوحة أننا نعرف الرياضيات الحديثة.

من الغريب حقا أن نجد عند نهاية كل قرن من القرون الأربعة الماضية اهتماما متزايدا بالقوى الخفية حول الإنسان أو بعيدا عنه أو في داخله. هل هي صدفة؟ هل هو الاهتمام بالقوى الخفية يتحرك في دوائر منظمة. كل مائة سنة.

لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذه الأسئلة. ولكن المؤكد هو أن اهتماما عالميا متزايدا بالقوى الخفية قد ملأ المعاهد والجماعات. وأن الاهتمام بدراسة علم النفس أو علوم النفس قد شغل الناس. فظاهرة الاستشفاف أو رؤية الأشياء عن البعد. أو ظاهرة الجلاء البصري. وظاهرة التخاطر. أي تلاقي الخواطر وتوارد الأفكار وظاهرة التحريك عن بعد. وظاهرة الإدراك خارج الحس. أو إدراك ما هو خارج نطاق الحواس الخمس. وهذا أحدث التعبيرات في علوم النفس المعاصرة، كل ذلك أصبح من الأطباق المفضلة على موائد علماء النفس والفيزياء والفلك والفلسفة والرياضيات.

لقد امتلأت كتب الروحانيين المصريين بنوادر رجل طيب مشهور اسمه الشيخ طنطاوي جوهري. هذا الرجل قد رآه عدد كبير من الذين تجاوزا السبعين من أعمارهم في مصر. وكان هذا الرجل قارا على أن ينظر إلى أي إنسان فيقول له مثلا: هذا الذي ترتديه ليس ثوبك إنه ثوب أخيك. أو إنه ثوب مسروق. ويكون هذا صحيحا.

أو يقول لأحد الفلاحين: حاولت هي. وتبعت اليوم. ولطن ليس لك نصيب.

فيسأله الفلاح: ما هذا يا عم الشيخ؟

فيقول له: إنها البطة التي عندك في البيت. باضت بصعوبة فنزلت البيضة على قطعة حجر. فانكسرت. ولو ذهبت الآن إلى البيت لوجدت ثعبانا يشرب البيضة.

ويكون هذا صحيحا.

في إحدى المرات وجد الشيخ الطنطاوي جوهري في السوق أحد الفلاحين. وقد جلس إلى المقهى يدخن الشيشة ويأكل الحلوى. وأمسك مسبحة في يده. فهجم عليه. وكسر الشيشة وألقى بالمسبحة في النار. وراح يصرخ: أمسكوه هذا هو القاتل. أمسكوه. لقد قتله بالفأس. ضربه ست مرات على رأسه. ضم ضربه في بطنه. أ/سكوه.

يسأله الناس: قتل من؟

فيرد: لا أعرف. ولكنه قالت. أمسكوه.

يلقي البوليس القبض على الرجل. و يعترف بأنه قتل أحد جيرانه تماما وبالطريقة التي وصفها الشيخ طنطاوي.

يسألون الشيخ طنطاوي: وكيف عرفت؟

يقول: رائحة الدم. لون أصابعه. لون أسنانه. إن الدم ينزف من كل مكان.

في نفس الوقت كان في أمريكا رجل اسمه الدكتور راين. هذا الرجل يدرس ظاهرة غريبة وهي ظاهرة الذين يلعبون الطاولة أو الدومينو والكوتشينة وهو يريد أن يعرف كيف يستطيع بعض الناس أن يؤثر في الزهر فيجيء الزهر حين يلقيه على المنضدة. على نحو الذي يرده. والذين يلعبون الطاولة أو الدومينو يجدون أناسا قادرين على التحكم في الزهر. أي يقرصون علة الزهر، فيجيء الذي طلبه.

لكن الدكتور راين وجد عددا من المقامرين المحترفين لديهم قدرة عجيبة على أن يؤثروا في الزهر. فدرس هذه الظاهرة واهتدى إلى أن هناك بعض الناس يستخدمون قواهم الخفية في التأثير في الزهر. وتحريكه وإسقاطه بالضبط كما يريدون. وأن هؤلاء إذا كانت حالتهم النفسية جيدة، فإنهم يتحكمون تماما في الزهر. وإذا كانت حالتهم النفسية مرهقة، أو ليس لديهم صفاء ذهني، فإنهم يعجزون عن السيطرة على زهر الطاولة.

هناك ظاهرة اسمها الاستحضار أو التحضير. أي الماضي حاضرا. وذلك بأن تجيء شخص من أصحاب القوى الخفية ويدخل غرفة من الغرف فإذا هو يخبرك ماذا حدث فيها بالأمس أو في العام الماضي أو من عشرين أو مائة عام.

أشهر المشتغلين بالاستحضار هو الرجل الهولندي كروازيه. فقد كان هذا الرجل ابنا لقيطا. وتعذب في طفولته كثيرا. وعاش مريضا دائما. ولكنه فجأة أدرك أن به خاصية غريبة. إذا رأى إنسانا أخبره بالضبط ما الذي فعله منذ أيام. وعندما ان كروازيه طالبا في المدرسة، تقدم لأحد المدرسين يقول: مبروك.

يسأله المدرس: لماذا؟

يرد الطفل: لأنك أمضيت إجازة الأسبوع مع خطيبتك التي سوف تتزوجها. إنها شقراء ترتدي بنطلونا ضيقا وتضع وردة حمراء على صدرها. وقد اتفقتما على أن يكون الزواج يوم الأحد القادم. ويكون هذا صحيحا.

ظل كذلك عشرات السنين. حتى أصبح مشهورا في أوروبا وأمريكا ولما كبر استخدمه البوليس في معرفة المجرمين. فأدخلوه أحد البيوت. واتجه هو من تلقاء نفسه إلى المطبخ. وقال: هنا ارتكبت جريمة جنسية. رجل اعتدى على فتاة. وراحت الفتاة تصرخ. ولكنه هددها بالقتل. وبعد أن اعتدى عليها قتلها.

ثم يعود يقول: ولقد ساعده في ذلك أخوه الأصغر. وهرب الاثنان. أحدهما إلى باريس والآخر ما يزال في هذه المدينة. ويكون هذا صحيحا تماما. فقد اعتقل البوليس قبل ذلك بساعات هذين الأخوين ولكن كروازيه هذا لا يعرف.

 هناك رجل هولندي آخر أكثر شهرة. اسمه بيتر هركوس. هذا الرجل عنده قدرة على الاستشفاف. أي رؤية الأشخاص عن بعد. أي عن بعد في المكان وفي الزمان. فيرى واحدا في مدينة أخرى ويعرف بالضبط ما الذي يعمله أو يرى واحدا وما الذي كان يعمله منذ شهر أو منذ عام. هذا الرجل هركوس أجلسه رجال البوليس في إحدى السيارات الأمريكية وطلبوا إليه أن يصف الجريمة التي وقعت ومعالم القاتل. فيمكث بعض الوقت ثم يصف ما حدث وكأنه يرى أحد الأفلام السينمائية وبمنتهى الدقة. ويصف وجه القاتل. والعلامات التي تميز يديه وجهه. ويكون هذا صحيحا.

لقد أتوا بهركوس هذا إلى شقة الممثلة الأمريكية شارون تبت. فوصف لهم القتلة واحدا واحدا، وأعلن عن الأماكن التي هربوا إليها.

هذا الرجل قد اكتشف هذه الخاصية في نفسه. وكان ذلك على أثر حادث في الطريق. ضربته سيارة ونقلوه إلى المستشفى. وبعد أن أفاق من البنج، لاحظ أنه قادر على أن يقرأ أفكار الطبيب والممرضات وكل أقاربه من الزوار. فكان يقول للواحد منهم: أنا أعرف أنك مشغول، وأنه كان المفروض أن تذهب إلى كذا وكذا. أو يقول شكرا على هذه الزيارة. إن زوجتك تنتظرك في السيارة.

أو يقول: اجلس بعض الوقت فإن اللصوص قد سرقوا سيارتك. أو يقول آسف لما حدث. إن سيارتك تحترق الآن. لقد نسيت أن تملأها بالزيت.

فما هي العلاقة بين وقوع الحادث أو إصابة أي إنسان بمرض وظهور هذه الخاصية الغريبة عنده.

ليس من الضروري أن يكون الإنسان مريضا ليصبح قادرا على أن يرى أو يسمع أبعد. وإنما المرض أو الحوادث العنيفة هي من أحد الأسباب التي تحقق للإنسان نوعا من الجلاء السمعي أو الجلاء البصري. وكثير من الناس عندما يصاب بمرض ويلزم الفراش يكتشف أنه اهتدى إلى معان جديدة واتخذ قرارات حاسمة في حياته. أو نجد إنسانا يقول لك: لقد كنت على وشك الموت. ولكني على فراش الموت هذا رأيت الدنيا على حقيقتها. ورأيت الناس على حقيقتهم. كل شيء رأيته بوضوح.

لو استعرضنا حياة المتصوفين لوجدنا حياتهم أقرب إلى المرض. إنهم لا يتحركون ولا يأكلون ولا يشربون. تماما كأنهم مرضى. ولكن هؤلاء المرضى، أقدر الناس على إدراك أعقد مشاكل الدنيا.

لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يجب أن يكون مريضا، أو كالمريض، ليرى أبعد ويسمع أعمق. فهناك كثيرون من أصحاب القوى الخفية في صحة جيدة تماما. بل إن بعضهم لا يكف عن الخمر أو القمار أو التنقل. أو إنه غارق في الجنس.

لا توجد قواعد ثابتة لكي يكون الإنسان قوى خفية. فليس كل صاحب نظر قوي، هو صاحب جسم قوي. ولا كل صاحب جسم قوي، هو صاحب حاسة سمع قوية.

فليس معروفا علميا لماذا يكون الإنسان شفافا، ولماذا لا يكون. ولكننا نريد أن نقترب من هؤلاء الناس لتعرف مصادر هذه الطاقة الخفية. وهذا ما يفعله ألوف العلماء في مئات الجامعات. يردون أن يقتربوا ليفهموا.

 

في العام الماضي أصدر العالم النفسي الكبير كورت تسلر كتابا عنوانه وراء الحدود الحسية. يحكي قصة رجل كان يعيش في أوغندة. هذا الرجل قرر أن يقيم خيمة في الغابة المفتوحة أي في الغابة التي بها الوحوش من كل نوع. اشترط أن يوجد معه بعض الحراس. وكانت لدى هذا الرجل حاسة غريبة تدل على اقتراب الوحوش من أي اتجاه فيقول: عنا أسد. إنه على مسافة مائتي متر. هنا نمر على مدى مائة متر. هنا ثعبان على مدى عشرة أمتار. يقول ذلك وهو في داخل الخيمة المغلقة وفي ظلام الليل. ويكون صحيحا.

يقول الدكتور تسلر: لابد أن هذه هي حاسة الإنسان عندما كان يعيش في الغابة. ولو لم تكن للإنسان هذه الحاسة لأكلته الوحوش، وانقرضت البشرية. ولكن مع ظهور الكهوف والأسلحة، لم يبعد الإنسان يعتمد على حاسته هذه. تماما كما أننا لا نعتمد على حواس السمع والبصر الآن. فليس من الضروري أن تكون لدينا أذنا ذئب أو عينا صقر. لسنا في حاجة إلى ذلك. فالمسافات قصيرة والبيوت أمان. ولم يعد الإنسان أيضا في حاجة إلى أن يستخدم حباله الصوتية ليتحدث إلى أحد. فالتليفون يغني عن ذلك. ولم يعد أحد يستخدم رجليه في السفر. فالمواصلات كلها تقوم بذلك. وهكذا نجد أن الإنسان قد عطل كل حواسه التي كانت حادة يوما ما. وكان يعتمد عليها في حياته اليومية. أما الآن، فليس في حاجة إلى كل ذلك.

فالرجل الذي يعيش في الغابة يستخدم قواه الخفية لرصد حركات الوحوش حوله. وإذا لم تكن هذه الحواس مدربة تدريبا جيدا أكلته الوحوش.

هناك ظاهرة الاستعمار. وهذه الظاهرة موجودة عند البدو فيمسك الرجل البدو عصاه ويدق بها الأرض. ويقول: هنا ماء. أو هنا قطعة من الحديد. أو أنبوبة. فإذا حفروا الأرض وجدوا كل شيء مما استشعره الرجل البدوي.

لكن هذه الظاهرة نجدها قد نميت ودربت تدريبا جيدا. ففي انجلترا رجل اسمه لفتويش. يمسك عصاه ويدق الأرض ويقول: هنا معادن. هنا أسلاك. هنا مواسير.

أما طريقته فهو أنه يمسك عددا من الأسلاك. ولا يكاد يمر فوق المعادن حتى تلتوي الأسلاك في يديه مشيرة إلى مكان المعادن تحت الأرض. وهذا الرجل تعتمد عليه شركات البناء ليدلهم على أماكن الأسلاك والمواسير قبل القيام بعمليات الحفر.

أكثر من ذلك إنه يمشي معصوب العينين وأمامه رجل أو سيدة. وكلما مرت هذه السيدة على أرض تحتها معادن أو مسامير يقول: هنا. وتقف السيدة. ويحفرون. تحتها فيجدون المعادن.

لقد أجريت تجربة مع زوجة الكاتب الانجليزي المشهور كولن ويلسون. فقد أخفت هذه السيدة بعض الحلي الذهبية تحت السجاد، ومرت بالقرب منها. وقال الرجل وهو على مدى عشرين مترا وراءها: هنا ذهب. مجوهرات. أكثر من ذلك أنه يمسك الخريطة لمدينة أو لدولة كلها. ويمسك عودا من النحاس في يده ويمر على الخريطة ويقول: هنا معادن. هنا غاز. هنا بترول. هنا كهف مبلل بالماء طوله كذا وعرضه كذا.

منذ مائتي عان اهتم اثنان من كبار العلماء بهذه الظواهر الغريبة. هما الدكتور كروكس والدكتور أوليفر لودج. وقد ابهر الرجلان بهذه الخوارق وشغلتهما. وانتهيا معا إلى نتيجة واحدة: إنها شيء عجيب. ولكن العلم لم يهتد إلى معرفة أسبابها بعد. تماما كما أن العلم لا يعرف لماذا هذا الإنسان عبقري أو شاعر أو رسام. لماذا هذا التفوق الباهر عند بعض الناس.     

يبدو أن الموقف الآن ازداد تعقيدا. فقد تنوعت الظواهر الغريبة. ولكن الذي ما يزال على ما هو عليه هذا السؤال: ولكن لماذا يحدث كل هذا؟

كيف نفسر أن شخصا لم يحضر إلى مصر. ولم يتعلم الهيروغليفية يكتبها وبسرعة وفي حالة إغماء شديد. فإذا عرض الأطباء ما كتبه هذا الإنسان المغمى عليه على علماء الآثار أكدوا: أن الذي كتبه صحيح. وأنه يتحدث عن ملك حقيقي عاش في مصر.

ومثل هذه التجربة الصغيرة موجودة في كل كتب المشتغلين بالدراسات الروحية في مصر وفي العالم العربي. ولكن هذه الدراسات العربية لا تلقي الاهتمام العالمي العظيم، لأنها محدودة النشر. ولأن الذين يتناولونها ليست لديهم هذه المكانة الدولية. ولو كان الحاج ميرغي السوداني أو الشيخ طنطاوي أو غيرهما من العرب يعيشون في باريس أو لندن، لصدرت ألوف الكتب تتحدث عن هذه المخلوقات العجيبة الغريبة. ولذلك سوف تظل مصادرنا العلمية في الكلام عن القوى الخفية أوروبية أو أمريكية.

لو رجعنا إلى كتب الصوفية في إيران والعراق وسولاريا ومصر والسودان والمغرب لوجدنا ألوف الأمثلة على القدرة الخارقة لبعض الناس الطيبين.

منذ سنتين رأيت في مدينة مانيلا بالفلبين رجلا طيبا. والناس على باله. بالألوف من كل قارات الدنيا. الجميع مرضى. وعجز الأطباء عن علاجهم وليس أمامهم إلا هذا الرجل الطيب.

إنهم يدخلون الواحد وراء الآخر. والرجل يمسك عصى خشبية. يمر بها على بطن المريض. وفجأة يجد المريض تقلصا في المعدة أو في الأمعاء. أو في القلب أو في عضلات الساق. أو في العمود الفقري. ويعد لحظات ينهض المريض. وقد خف من أوجاعه. 

الغريب في هذا الرجل لا يسأل المريض عن دائه. وإنما هو الذي يكشف هذا الداء فيقول: قلبك. بطنك. عمودك الفقري.  وأغرب من ذلك أن هذا الرجل يجري عمليات جراحية. بأصابعه وعصا خشبية. أمام مئات الأطباء. وبعد يومين يلتئم الجرح ويذهب الوجع والمرض إلى غير رجعة.

من نوادر هذا الرجل الفلبيني أن أحد المرضى قد جاءه ولم يكد يلمسه حتى راح يضحك. ولما سألوه قال: لقد نسى الطبيب شيئا معدنيا في أحشائك. وذهب المريض إلى الطبيب وأجريت له عملية جراحية وأخرج الطبيب أداة جراحة من بطن المريض. ولحسن حظ المريض أنها كانت مغطاة بكيس من الشمع المعقم.

هناك تفسيرات لهذا كله. وليس ذلك نهائيا في قضية معقدة جدا كالتي نعالجها في هذه السلسة؟

التفسير الأول. أن يقال أن بعض الناس عندهم القدرة الغريبة على الإحساس بالأشخاص والأشياء عن بعد، ثم اعتراض الأحداث وتغييرها على النحو الذي يريدون. ولا نجد تفسيرا علميا لذلك.

التفسير الثاني. فهو الذي يقوله بعض هؤلاء الناس أنفسهم. وهذا يجعل موقفنا أصعب جدا. وهو أن هناك قوى أخرى عالية علينا تؤثر فيهم وتدفعهم إلى إتيان هذه الأعمال الخارقة.

بعضهم يقول لك: أرواح متسلطة عليهم. وبعضهم يقول بل كائنات من كواكب أخرى اتصلت بهم. أو نقلتهم من الأرض في أطباق طائرة وغيرت في تكوينهم النفسي والعقلي. وبعض هؤلاء الناس الذين يعملون في علاج المرضى يقولون: إنهم أصحاب رسالة سماوية لشفاء الناس والتخفيف عنهم.

هذا أصعب وأكثر غموضا. فعلى الرغم من أننا على يقين من أن هناك كائنات أخرى، وأن بعض هذه الكائنات قد هبطت إلى الأرض، ولكننا لسنا على يقين من أن شيئا من ذلك قد حدث أخيرا. رغم كثرة الأطباق الطائرة التي تشغل الناس، والتي طالبت الدول بإدراجها كقضية من قضايا الأمم المتحدة.

أي من القضايا الدولية التي شغلت العالم كله. خوفا من أن تكون مقدمة لغزو فضائي للأرض. كأن تكون الأطباق الطائرة وحدات استطلاعية.

قد يكون التفسير الأول هو الأقرب إلى العقل. وإن لم تكن هناك أدلة كافية على صدقه أو صحته. ولكنه على كل حال حقيقة مؤكدة نراها ونعجب لها. وكل ما ينقصنا هو التفسير لها.

روى لنا الكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير عندما زار الفيوم وقنا في أواخر القرن التاسع عشر حكايات غريبة رآها بنفسه. ولكنه هز رأسه قائلا: أن بلادا يبني الأهرام لقادر على أشياء كثيرة لا نعرف كيف نفهمها.

أتول له برجل اسمه الشيخ عبد الله عبد الحميد القناوي. رجل نحيف متوسط القامة. في غاية المرح. وطلبوا إليه أن يعرض قدراته على الأديب الفرنسي. فجاء الشيخ عبد الله بنار وأحرق بها يده. حتى رأى الناس الدخان يتصاعد من بطن يده. وانزعج الأديب الفرنسي.

فجأة تحولت يده إلى قطعة من الفحم الأسود. وراح الشيخ عبد الله يلعق يده. حتى عادت إلى لونها وطبيعتها الأولى. واقترب الأديب من الرجل وراح يتحسس يده. لقد وجدها كما كانت، وكأن نارا لم تلمسها.

ثم أتوا للشيخ عبد الله بطفل لد يد بست أصابع. فما كان من الشيخ عبد الله إلا أن أمسك الأصبع السادس وكسرها. ثم راح يلعق مكانها. وعرض اليد على الأديب الفرنسي، فلم يجد أثرا للأصبع السادسة. ثم أعاد الأصبع إلى مكانها من يد الطفل كما كانت تماما.

هز الأديب الفرنسي رأسه ونظر إلى السماء. وكانت نظرته هي الإجابة الصحيحة والمحيرة في نفس الوقت. فمن أين تجيء هذه القدرة. وكيف ولماذا هؤلاء الناس دون غيرهم. وهل هذه القدرة كامنة خاملة عند كل إنسان ولكننا لا نعرف كيف نهتدي إليها. وإذا اهتدينا إليها فكيف نطلقها. هذه هي قضية كل علوم النفس الحديثة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق