"هذا الذي أراه بركان من الدم. سيول من النار. ألسنة من اللهب. مع أن الذي فعلته ليس أكثر من أنني مررت بسكين على هذه الأشياء الصغيرة". هذه العبارة قالها رجل أرمني ليست صناعته الأدب ولا نظم الشعر، ولا حتى حفظ الشعر. إنه رجل كهربائي بسيط. وهذا الذي يصفه لم يراه بعينه. وإنما رآه على أحد الأفلام الملونة التي التقطها بكاميرا من تصميمه هو. أما هذا الذي رآه فهو مجموعة من أوراق الشجر وأوراق الزهر قد مزقها بيديه. ثم سجل بالكاميرا هذا الذي فعله. إن الأوراق تنزف ألوانا حمراء. والورود تسيل دما قانيا ألوانها هكذا. حدث ذلك في مدينة تفليس بالاتحاد السوفيتي سنة 1949. ذهب عشرات من العلماء يرون هذه الصور ويطلبون إلى هذا الرجل كريليان وزوجته أن يعيدا تسجيل نباتات وزهور أخرى. وكانت النتيجة واحدة. شيء من النار، الدم يتصاعد كالنفورة من الأوراق التي تمزقت. من أية ورقة تمزقت. في سنة 1900 استطاع عالم أمريكي أن يرى بعينه المجردة إننا إذا قطعنا غصن شجرة فإن مكان القطع يبدو داميا. ولم يصدقه أحد في ذلك الوقت. ولولا أن اسمه والتر ليكز أستاذ الفيزياء بإحدى الجامعات، وأن أحدا لم يشك في قدراته العقلية، ما صدقه أحد. ذهب علماء لا يصدقون كريليان. واستدعوه إلى كليات متعددة. وعزلوه تماما عن كل الناس وطلبوا إليه أن يصور أجسام البشر. فما الذي رأوه؟ لقد رأوا أن الجسم الإنساني تخرج منه ألسنة من الألوان المتداخلة. الأحمر والأزرق والأخضر والدموي. وأغرب من ذلك أن هذه الألوان لها شكل واحد. إنه شكل الجسم الإنساني. وهذا الشكل يحيط بالجسم الإنساني وقريب منه. وأحيانا يكون هذا الشكل الضوئي بعيدا عنه. ولكنه ملازم له. أو الملون هو الذي يقولون عنه الجسم البديل له. هذا الشيء الشفاف اللطيف. أو الجسم النوراني أو السماوي. أو الطاقة الحيوية. أو الطاقة. قد دلت الصور التي أخذت لبعض الموتى، بعد الوفاة بساعات على أن هنالك شكلا ضوئيا ملاصقا للجسم وقريبا منه.ويظل هذا الشكل الضوئي، أو هذا الغشاء المضيء موجودا بعض الوقت، ثم يختفي تماما. إنه يشبه البخار الذي يتصاعد من إناء يغلي. ويظل هذا البخار واضحا ما دامت درجة الحرارة مرتفعة. ويتلاشى كلما انخفضت. حتى ينعدم تماما. بعض الناس عندهم طاقة كامنة. هذه الطاقة في استطاعتهم أن يتحكموا فيها ويوجهوها إلى الآخرين. بصورة نافعة أو ضارة. وفي كتب التاريخ كتب الدين والسحر في كل العصور، نجد أناسا لهم القدرة على شفاء الآخرين بمجرد الاقتراب منهم. أو بمجرد أن يلمسوهم. ليس غريبا أن نجد عند المؤمنين الذين لهم دين أمثلة من ذلك. ولكن الغريب أن نجد روسيا مثلا ضابطا متقاعدا في الجيش اسمه كريتوتروف قادرا على أن يعالج آلام الروماتزم وأوجاع الظهر. وهذه التجارب التي قام بها الضابط شهدها عشرات من العلماء الذين لا يؤمنون بدين. ولكن أمام هذه التجربة التي تكررت عشرات المرات، لا يسعهم إلا أن يفكروا. ويعاودوا النظر في كثير من نظرياتهم الجامدة. يقول المرضى الذين عالجهم هذا الضابط إنهم كانوا يشعرون بلهب من النار يخرج من يديه.مع أن الذي يلمس يديه يجد إنهما باردتان ترتجفان. وبعض المرضى كان يقول إن النار كانت تلسع أماكن الألم في الظهر أو في المفاصل أو في العنق. وبعض المرضى كان يقول إنه يشعر بأن هذه النيران كانت تجيء من بعيد. وإنهم كثيرا ما سمعوا صوت فرقعة أو طرقعة. كالتي يسمعها الإنسان عندما يضع الخشب في الفرن. أو عندما يخلع ملابسه الصوفية. في كندا قام أستاذ جامعي اسمه برنارد جيل بتجربة من نوع آخر. لقد اكتشف أن بعض المواطنين لديه قدرة غريبة على حفظ الطعام دون أن يفسد. وإلى جانب قدرته على علاج المرضى. فقد وجد في الريف الكندي رجلا مؤمنا إذا لمس قطعة اللحم مرة كل يون فإن هذا اللحم لا يتعفن مهما طال به الوقت. وقد قام بهذه التجربة في أماكن مختلفة. وعلى لحوم منوعة. وقد وضعت هذه اللحوم بعد ذلك صناديق من الخشب في أماكن دافئة. ومن العجيب أن اللحوم لم تفسد. اشترك عدد من العلماء الأمريكان في تجربة مثيرة. فقد أتوا بعدد من هؤلاء الناس الذين يشتغلون بعلاج المرضى. وأجروا عليهم تجارب متعددة. من بين هذه التجارب إنهم كانوا يضعون البذور في أيديهم بعض الوقت. ثم يضعونها في التربة. وقد أكدت التجارب أن البذور التي وضعوها في أيديهم تنمو أسرع وأقوى من البذور الأخرى التي لمسوها. ما هذا؟ في استطاعتك أن تقول أن هذه هي البركة. أو لمسة البركة. ولاحظ بعض العلماء الأمريكان أن البذور التي يمسكها المعالجون وهم في حالة من الغضب أو الثورة، لا تنمو. وإذا نمت فأنها تكون متخلفة ذابلة. وبعد ذلك تموت. ما هذا؟ في استطاعتك أن تقول: إنها لمسة النقمة. أو اللعنة. أو الحسد. في بلجيكا طلب الدكتور أريرا مستشار الدولة لشئون المواد المشعة إلى أحد هؤلاء المعالجين أن يقوم بتجربتين في وقت واحد. سأله: لو كان لك صديق وأردت أن تعطيه حفنة من البذور فماذا تفعل؟ قال الرجل: أعطيه هذه الحفنة. مد يده إلى إناء به بذور القمح وأعطاها للدكتور أريرا. عاد يسأله: وما الذي تعطيه لعدوك؟ قال الرجل: أعطيه هذه الحفنة. مد الرجل يده إلى نفس الإناء وأخذ حفنة وأعطاها له. وضعت كل حفنة من البذور في تربة وواحدة وفي بيئة واحدة. ونبتت البذور التي باركها الرجل، ولم تثبت البذور الأخرى. فما هذا الذي في الجسم الإنساني؟ هناك طاقة أخرى. قوة ثانية. لها سيل أخر لا نعرفها. تظهر عند بعض الناس بصورة عنيفة. ويمكن تسجيلها بالصورة الحساسة. لقد اهتدى أهل الصين منذ خمسة آلاف سنة إلى ذلك. ففي الجسم الإنساني اثنتا عشرة قناة. أو دهليز. أو ممرا. وهذه الممرات تتخللها 7020 عين. أو نقطة. وهذه النقط إذا وخزناها بالإبرة الذهبية أو الفضية فإن هذا يساعد هذه القوة على أن تعدل مسارها. أو تنطلق أكثر. أو تتوقف. وفي السنوات الأخيرة انتقل أطباء الصين من العلاج بالإبرة إلى التخدير بالإبر. أي استخدام هذه القوى استخداما نافعا. وإذا نحن شرحنا الجسم الإنساني فإننا لا نجد مكانا لهذه القنوات. ولكن التجربة الصينية الطويلة تؤكد بصورة عملية صحة هذه الخريطة السحرية للجسم الإنساني. الصينيون يقولون: الجسم الإنساني له طاقتان، كهربية وحيوية. والطاقة الحيوية هي التي يعتمدون عليها في الوخز للعلاج أو التخدير تمهيدا للعلاج. والمثل الصيني يقول: الطبيب الممتاز هو الذي يمنع الداء قبل أن تظهر أعراضه. الطبيب الفاشل هو الذي يعالج الداء الذي كان من الواجب أم يمنعه. ومن عادات الصين القديمة، أن الطبيب الذي يفشل في علاج المريض كان يرد إليه ما دفعه من المال. لو طبقت هذه الحكمة الصينية العظيمة، ما عاش طبيب ولا صيدلي ولا مؤسسة أدوية في العالم كله. الصينيون يرون أن هذه الطاقة الحيوية شديدة الحساسية وأنها تتأثر بالبيئة. بالجو، بالرعد والبرق، ودورة القمر، والمد والجزر، والشمس، والرياح، والضوضاء. ولذلك فأكثر الناس اقتدارا هم الذين يعيشون في معزل عن هذه المؤثرات اليومية. صحيح نحن جميعا حيوانات، أمام الخبز والقبلات. لكن من المؤكد لسنا آلات. فهناك في داخل الإنسان قدرات هائلة لم يهتد إليها حتى الآن. ولكن سوف يفعل ذلك بتقدم العلم، وإحساس الإنسان بأنه في حاجة إلى من هو أقوى منه. إلى الله. في العشرين سنة الأخيرة انشغل العالم كله بالمسرح الحديث الذي اسمه مسرح العبث، أو مسرح اللامعقول. وهو لا معقول لأننا نرى شيئا غير مألوف. يصدمنا. يشككنا في عقولنا. فليس من المعقول مثلا: أن ترى شخصا واحدا في مكانين في وقت واحد. هنا وفي نفس الوقت هناك. أو ترى شخصا واحدا في زمانين في وقت واحد. أي تراه وهو طفل وتراه في نفس الوقت وهو رجل. أو تراه وهو ميت. منذ سنوات. نراه حيا أمامنا. أو نجد إنسانا يتحدث إلى نفسه. ونراه شخصين فيؤ وقت واحد. اعتدنا أ، نرى ذلك. في العشرين سنة الأخيرة. وأن نقرأ ذلك من مئات السنين. ونضع عنوانا لهذه الغرائب هو كل شيء جائز. في ديسمبر سنة 1962 نشرت مجلة القدر الانجليزية أن طبيبا بيطريا استدعى في ساعة متأخرة من الليل لعلاج عدد من الفيلة في تنزانيا وأن حالة الفيلة خطرة. وأنه من الضروري أن يذهب فورا. واستعد الطبيب لعلاج هذه الفيلة. فأحضر الأدوية والحقن واتجه إلى سيارته. وقبل أن يضع ساقه فيها ظهر له واحد من السحرة البدائيين. وتحدث إليه بلغة إنجليزية سليمة جدا. وقال له: لا داعي لأن تذهب. سوف أعالجها أنا. جلس الساحر. وتمدد. وأخذته دوخة خفيفة. في استطاعتك أن تسميها لحظة نوم. غفوة، غشية، سنة من النومـ بكسر السين. وبعد لحظات أفاق الساحر وقال للطبيب. انتهى كل شيء. لقد وجدت فيلا انكسرت ساقه وعالجتها. ووجدت فيلا يشكو من التهاب في حلقه. وعالجته. ووجدت أنثى في حالة ولادة عسرة. وساعدتها. انتهى كل شيء. لم يذهب الطبيب. وفي اليوم التالي اتصلوا به يشكروه على أنه أرسل طبيبا آخر متنكرا في أزياء بدائية. وأنه استطاع أن يعالج الفيلة وحيوانات أخرى. ووصفوا ملامح الرجل. وكان هو نفس الساحر. هناك حادثة مشهورة في التاريخ. فقد استطاع الراهب الفرنسي الفونس وليجوران وهو في الدير سنة 1774 أن يصف بكل دقة الساعات الأخيرة للبابا كلمنت الرابع عشر. وماذا كان يرتدي، ومن الذي ألتف حول فراشه، وما الذي أكله وما الذي شربه. وماذا قال. ثم ما هي وجبته الأخيرة. وكانت المسافة بين الراهب وبين البابا طويلة جدا. يقطعها الحصان في خمسة أيام. ولما توفي البابا. جاء الرهبان يصفون ساعاته الأخيرة، وكانت مطابقة تماما لما قاله الراهب الفونس. هناك حادثة القديس اكزافيه فقد كان في رحلة بين الصين واليابان. وهاج البحر. وقرر بعض المسافرين أن ينزلوا في زورق خوفا على أ،فسهم. واختفوا عن عيون بقية الركاب ولكن القديس اكزافيه أكد لهم إنهم يرونهم بعد ثلاثة أيام. وبعد ثلاثة أيام ظهر الزورق بمن فيه. وقالوا: لقد كان القديس معنا طول الوقت. أي أنه كان في مكانين في وقت واحد ولمدة ثلاثة أيام. هناك الحادثة الغريبة التي يرويها الشاعر الألماني جيته. يقول إنه كان يمشي مع صديق له. وفجأة لاحظ أمامه شخصا آخر. ويبدو أنه صديق، وهذا الصديق قد ارتدى ملابس الشاعر نفسه. وارتدى الجوانتي الأحمر ويرتدي حذاء الشاعر. ولكن صديقه الذي كان يمشي معه لم ير هذا الشخص الذي يسبقهما. ولما عاد الشاعر إلى بيته فوجئ بأن صديقا في بيته. وقد ارتدى بعض ملابس الشاعر بما فيها الجوانتي الأحمر. الأديب الأمريكي مارك توين يقول إنه شهد هذه الواقعة الغريبة. واحد من أقاربه كان قبطانا، ولم يكد ينزل إلى الشاطئ حتى قالت له زوجته: لقد أرسلت إليك فتاة هل رأيتها؟ وقال الزوج: فتاة شقراء ترتدي فستانا أزرق وقد لفت حول عنقها منديلا أحمر؟ قالت الزوجة: تمام. وأين قبلتك؟ على خدك الأيسر. وحاولت أن تقبلها في فمها. ولكنها رفضت. قال الزوج: تمام. ولكن كيف حدث ذلك! أما الذي حدث أن الزوجة تخفت في الليل وزارت زوجها وهو نائم ثم قبلته. وحاول أن يقبلها في فمها ولكنها رفضت وكانت سفينة الزوج في عرض المحيط وتبعد عن الزوجة أكثر من ثلاثة آلاف ميل. يروي الكاتب الإسباني دي روخاس إنه رأى في مدينة ايسالا في السويد رجلا يستطيع أن يأتيك بأخبار يبعدون عنه ألوف الأميال. وقد سأله الكاتب الإسباني: أريد أن أ'رف منك الآن ما الذي تفعله زوجتي؟ غاب الرجل السويدي عن وعيه لحظات ثم أفاق ليقول: لا شيء إنها تصنع بعض الحلوى. ولكي أثبت لك صحة ما أقول فقد أخفيت خاتمها الذهبي في دولاب قديم في غرفتك. اتصل الأديب الإسباني بزوجته. فأكدت له كلام الرجل السويدي. وأنها فعلا لا تعرف أين اختفى خاتمها. ثم وجدته في الدولاب. من الحكايات العجيبة التي يرويها الأديب الألماني العظيم توماس مان أن مهندسا من أقاربه عاد إلى بيته في الليل. ولم يكد يفتح النور حتى وجد شخصا جالسا إلى مكتبه. وهذا الشخص غارق في عمله. ولما اقترب المهندس من هذا الشخص الجالس وجد أنه هو. هو نفس الشخص. وعندما جلس المهندس مذهولا إلى مكتبه. قرأ ورقة على المكتب حلا لإحدى المشكلات الرياضية التي شغلته في الأيام الأخيرة. آما الأب مريميه البلجيكي فهو صاحب قدرة فائقة على الاهتداء إلى الأشخاص والأشياء. وكان الأب مريميه يستخدم البندول والبندول عبارة عن خيط يتدلى منه جسم معدني. وفي أحد الأيام جاءت فتاة إلى الأب مريميه تقول له أن أخاها قد اختفى منذ أسبوع. فطلب منها أن تأتي له بأي شيء يخص أخاها. وأتت الفتاة بصورة لأخيها. و قال الأب مريميه: دعيني أحاول. أتى بخريطة بروكسل ونشرا الخريطة أمامه. ووضع يده على صورة الأخ الضائع. وأمسك باليد الأخرى بندولا. وراح يحرك البندول على الخريطة. ثم وضع ورقة بيضاء وكتب عليها الأرقام من واحد إلى عشرة. وعندما يتوقف البندول على مكان في الخريطة، فأنه بسرعة ينقل البندول إلى صفحة الأرقام. ثم يقول لها: أخوك في هذا المكان. يحمله شخص طوله 1,78 سنتيمترا. أخوك سرقوه. فليس معه ذهب ولا فضة. وقتلوه. ووضعوا حجرا في عنقه في النهر عند عمق أربعة أمتار. هيا معا. ذهب الأب مريميه. وعثر على القتيل. كيف استطاع أن يعرف ذلك عن طريق صورة القتيل والخريطة. نعود مرة أخرى إلى هذا الشكل الضوئي. النوراني الذي يحيط بكل جسم إنساني. ونعود إلى هذه المقدرة الخارقة عند بعض الناس في أن يكونوا في مكانين في وقت واحد. ونعود إلى أن كل إنسان له ذبذبة أو طاقة أو لون. وكل ما يتعلق بأي إنسان يختلف عن أي إنسان آخر. إنهم يعرفون الأجزاء المريضة في الجسم الإنساني عن طرق البندول. عندما يهتز بسرعة أكثر. أو سرعة أقل. أما العلاج فعن طريق إعطاء ذبذبات أخرى أكثر أو أقل. أي عن طريق تعديل عام للذبذبة. أو تسير للطاقة لعلها تتجه إلى وجه أخرى كما تفعل الإبر الصينية. أليس عجيبا هذا الإنسان. إنه واحد من ملايين الملايين من مخلوقات الله. وما أوتينا من العلم إلا قليلا جدا.
ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة ظواهر غريبة أرواح أشباح ما وراء الطبيعة |
بشر ليسوا ككل البشر
الخميس، 20 يناير 2011
يظهر في مكانين في وقت واحد
وكانت الأوراق تتساقط وعليها الإجابة عن كل سؤال
أنت لم تجرب قدرتك على الجوع. ولا قدرتك على احتمال العطش. إن إرادة الإنسان أعظم مما يتصور ولكنه لم يجربها. لأنه لم يمتحن نفسه كثيرا. رجلان يجلسان أمام أحد مساجد مدينة المنصورة من 65 عاما. خرج الرجلان من صلاة الفجر. وكل واحد منهما يريد أن يسأل الآخر عن حقيقة ما جرى بالأمس ولكن أحدهما لا يجرؤ. ثم وجد أحدهما أنه من الضروري أن يتكلم. قال: وتعتقد أن هذا حلال أو حرام. لا هو حلال ولا هو حرام. وكيف؟ نفرض أنك ارتديت ملابس قديمة. ثم عدت فارتديت ملابس جديدة. ثم ألقيت بنفسك في الماء وتبللت. ثم جففت جسدك. ولا هو حلال ولا هو حرام. لا أنت أعطيت أحدا شيئا ولا أنت سلبت أحدا شيئا. هذا رأيك. نعم. ولابد أن يكون رأيك أيضا. ولو سمعهما رجلا ثالث، فإنه لن يفهم شيئا. والرجلان لا يريدان أن يذكرا حقيقة ما جرى بالأمس. فقد دعي الرجلان إلى بيت أحد الأصدقاء. ورأيا رجلا طيبا. هذا الرجل يملأ المكان بخورا أبيضا. ثم هو يهمهم بكلمات غير مفهومة. وفجأة يتحول البخور الأبيض إلى طيور تملأ الغرفة. ثم تتحول الطيور إلى دواجن تمشي على الأرض. ثم إذا هي ثعبان تزحف على الجدران. وأخيرا تسقط على الأرض فاكهة. وتختفي. ويظل الرجل الساحر في غيبوبة. ويتركونه ويخرجون إلى الشارع إلى الصلاة. دون أن ينطق أحدهم بكلمة. لأنه في حيرة عن كل ما حدث كل ليلة في هذا البيت ومن عشرين عاما. فهل هو حرام أو حلال؟ إن الرجل الساحر قد عرض براعته في فعل شيء جون أن يصيب أحدًا بضرر. ودون أن يتقاضى أجرا على هذا الاستعراض. ودون أن يشرح لأحد من الناس ما حقيقة هذا الذي جرى في بيت الحاج عبد الرحمان أبو العلا بشارع القاضي بالمنصورة. وجاءت هذه القصة في كتاب بعنوان عجائب الشيخ مسعود. في نفس الوقت عند منتصف ليل يوم 31 ديسمبر 1973 وفي إحدى غرف في مدينة باريس. وقف رجل عريان تماما. وفي يده سكين وكرباج وكوب من اللبن وكوب آخر من النبيذ. وارتمى أمامه واحد من تلميذته عريانا تماما ورفع الرجل السكين وهوى بها على ظهر التلميذ وتركها في مكانها. ثم أمسك الكرباج وانهال على التلميذ العريان ضربا. ولم يسمع أحد صراخا لهذا التلميذ. وفجأة ومع بخور الذي يملأ الغرفة انفتحت النافذة ودخل هواء بارد. تحول الهواء البارد إلى سحابة. والسحابة تحولت إلى ثعبان تكوم حول جسد التلميذ العريان. ومازال الثعبان يلتف حول جسده حتى غطاه تماما. ثم أطل الثعبان برأسه من تحت ذقن هذا المسكين العريان. هذا المشهد تكرر كثيرا جدًا وأمام عشرات الألوف من الأطباء والمهندسين وفي بلاد معظم ملوك أوروبا في ذلك الوقت. أما الرجل الذي أمسك الخنجر والكرباج فهو الساحر البريطاني الشهير جدا اليستركرولي. هذا الرجل جاء إلى مصر وقابل عددا من أعضاء الأسرة المالكة ومن البشوات وله حادثة مشهورة في الفيوم. عندما أنزلوه في أحد زوارق بحيرة قارون. وخلع الرجل ملابسه. لابد أن يخلع ملابسه تماما. وألقى بالملابس في الماء. ثم سحب هذه الملابس فوجد عشرات من الأسماك قد تعلقت بها. ثم ملأ بها الزورق تماما. ولما رأى الناس ذلك تلفتوا يبحثون عن الساحر فوجدوه قد جلس إلى الشاطئ يأكل سمكا مشويا. حدث ذلك في فبراير 1916. هل عند هذا الرجل تفسير لما حدث؟ عنده كلام يقوله. ولكنه لا يدري إن كان هذا الكلام يقنع أحدا. ولكن هذا هو كل ما يستطيع أن يقوله؟ يقول: إن البخار أخف من الماء. ولكن البخار يستطيع أد يدفع قاطرة وباخرة. والكهرباء غير منظورة، ولكنها قادرة على أن تضيء مدينة. وكذلك إرادة الإنسان لا هي ملموسة ولا هي مرئية، ولكن هذه الإرادة إذا أحسن استخدامها فإننا نغير الكون كله. معنى ذلك أن الإرادة والفكر والقدرة الخاصة في خفة البخار وقوته. وفي غموض الكهرباء وقوتها أيضا. ولا يبقى بعد ذلك إلا أن يكون الإنسان قادرا على استخدام إرادته واستخدام فكره. وفي حياتنا العادية وفي التاريخ الإنساني. شرقا وغربا، رجال أفراد استطاعوا أن يحركوا الملايين بالفكر والإقناع وبالإرادة. أي بسيطرة إرادة هؤلاء الأفراد على هؤلاء الملايين. دون أن يدعي واحد منهم أنه ساحر. مع أنه في الحقيقة كذلك. ربما توقعنا أن يتغير شكل السحر أو أسلوبه و أثره بتغيير السحرة أنفسهم. فكل ساحر له قدرته وله مزاج خاص. وهذا صحيح. ولكن من الملاحظ أن السحر لم يتغير من ألوف السنين. من أيام موسى عليه السلام حتى يومنا هذا. والذي يقرأ السحر في بلاد الهند والصين وسحر الصوفية والدراويش والغجر في أوروبا اليوم، فإنه لا يجد خلافا كبيرا. فإذا قلنا أن السحر نوع من التفكير المغرض أو نوع من التأثير أو الضغط الفكري. فإن هذا ما يزال صحيحا حتى يومنا هذا. وكل ساحر له إله يستدعيه أو يستنجد به. أو بعبارة أخرى كل ساحر له مصدر من مصادر القوة أو الطاقة. أو عنده بنك يتعامل معه. ويسحب منه مدخراته. أو بعبارة أخرى كل ساحر عنده ينبوع أكبر يستمد منه قوته وقدراته. فهذا الساحر الإنجليزي كروالي يستمد قوته من الإله الفرعوني توت أو تحوت. ورجال السحر في مدينة الإسكندرية كانوا يؤمنون بأن تحوت هذا لم يكن واحدا من الآلهة. وإنما كان ملكا. وقد حكم مصر أكثر من ثلاثة آلاف سنة. ,ألف مئات الكتب وأكثر هذه الكتب تحتاج إلى قدرات خفية لكي نهتدي إلى بعضها، وإلى قدرات خارقة لكي نفهم ما بها. كراولي هذا كان يستدعي الإله الملك توت عند الشدائد. وكان توت يستجيب لدعائه. أما وسيلته إلى استدعاء الملك توت فعن طريق الطقوس والدعوات الفرعونية الخاصة التي اهتدى إليها كراولي وحده. ولم يشأ أن يكشف لنا كيف كان ذلك. لا يزال بعض الأوروبيين والأمريكان يجئون إلى الهرم الأكبر كل سنة. ويدخلون غرفة الدفن. ويقيمون صلواتهم. وقد ارتدوا الملابس الفرعونية. أما طقوسهم فهي قريبة من الطقوس الفرعونية. أما كلماتهم ففرعونية. أما هدفهم فهو أن تحل عليهم روح الله توت. فتشفي مرضاهم وتخفف ويلاتهم. وتحل عقهم. ثم تهبهم طوال العمر. من هؤلاء جماعة الصليب الوردي. من بينهم أيضا أتباع الساحر الإنجليزي كراولي. ولهم فلسفة خاصة. فلسفتهم تقول: كما أن القلب عضو في جسم الإنسان. وكما أن العين عضو في وجه الإنسان. فالإنسان نفسه عضو في هذا الكون العظيم. ويجري على العين وعلى القلب ما يجري على الجسم. ويجري على الإنسان ما يجري على الكون كله. وفي الدنيا قوة واحدة. كما أن لأرضنا شمسا واحدة. هي مصدر القوة والحرارة. وكذلك القوة الكبرى بالنسبة للكون وللإنسان. وكما أن الشمس تدخل من النافذة. وكما أن النافذة تستطيع أن تحجز عنا الشمس. فكذلك القوة الكبرى من الممكن أن تدخل الجسم الإنساني، ومن الممكن ألا تدخل. ولكي تدخل لا بد أن يكون عند الإنسان هذا الاستعداد لاستقبالها والترحيب بها والاحتفاظ بها أيضا. وكذلك هذه القوة الخفية الموجودة في الكون والتي يمكن استدعائها لتحريك الجسم الإنساني والأجسام الأخرى. وتغييرها في أعيننا، أو تغييرها حقا. لكن هل يمكن أن تؤدي قراءة بعض الكلمات أو ترتيلها أو ترنيمها إلى هذه الأعمال الخارقة ما هو سر الكلمات؟ ما سحرها؟ ما مصدر قوتها؟ شيء واحد نلاحظه في كل العصور. أن الكلمات سحرا. وأن ألف ليلية وليلة عندما وضعت على لسان علي بابا عبارة أفتح يا سمسم، فينشق الجبل نصفين. كانت تعني أن الكلمات سرا وأن السر قوة. كيف؟ هذا ما لم تقله لنا ألف ليلة وليلة. في القرآن الكريم يقول الله تعالى:﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾. مع أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس في حاجة إلى أن يقول. وإنما أن يريد. ولكن الله قال ويقول لأي شيء ك.. ن. هذان الحرفان كافيان جدا لأن يكون هذا الكون من الأزل إلى الأبد. وفي ذلك إشارة إلى سحر الحروف أو قوة الكلمات. في كل العصور نجد أن هؤلاء السحرة يستخدمون كلمات خاصة من لغات غير معروفة. أو كانوا يستخدمون اللغات المعروفة ولكن تركيب الكلمات وترتيبها لم يكن مألوفا. وكان من الضروري أن يستخدموا بعض الكلمات. وهذه الكلمات نضاف إلى البخور والهدوء والقوة الخفية عند الساحر يستمدها من نفسه أو من الآخرين. كل ذلك يؤدي في النهاية إلى أن يقع الشيء الغريب. كان كراولي يستعين بالكلمات الفرعونية. لأنه يستدعي الإله تحوت. والسحرة الآخرون كانوا يستعينون بآلهة الإغريق. ولذلك فكلماتهم يونانية الأصل. وبعضهم يستدعي آلهة أو شيطان من الهند، ولذلك كانت لغتهم هي اللغة الأردية. وبعضهم استعان بالغة العبرية أو الآرامية أو الأكادية أو السريانية. كل واحد حسب المصدر الخفي الذي يطلب منه المدد الروحي. لا أحد يعرف كم هو عدد السحرة في الشرق أو الغرب. وسوف نختار أربعة من أشهر الذين هزوا أوروبا في العصور الوسطى والحديثة. واحد منهم اسمه الدكتور دي ولد سنة 1527. أ[وه موظف في بلاط الملك هنري الثامن في بريطانيا. هذا الرجل درس في الجامعة وعمل فيها مدرسا للهندسة. وألقى محاضراته في لندن وباريس. وانتقل من تدريس الهندسة إلى تدريس الفلك والكيمياء. ثم أصبح أستاذا. ولكنه عثر على كتاب اسمه الفلسفة الخفية الذي ألفه الساحر الشهير أجريبا. وهنا توقف الدكتور عن الدراسة والتدريس. وأحس أن قوة خفية تناديه وتطلب إليه أن يتفرغ لهذا النوع من العلم أو الفن. عرفت الملكة إليزابيث الأولى بقصة هذا الرجل وقدرته على التنبؤ. فطلبت إليه أن يختار لها أحسن الأيام ليتم تتويجها فيه. واختار لها اليوم. وكانت هذه الملكة بخيلة فظل هذا الرجل فقيرا حتى الموت. ولم تكن تظهر شمس أو تغيب. إلا وهذا الساحر إلى جوارها يعرض عليها معنى الأيام ومستقبل الأحداث. وتزوج إحدى وصيفاتها التي أنجبت له ثمانية من الأولاد. تنبأ هو بميلادهم واختار لهم الأسماء قبل أن يولدوا. كان الدكتور دي حريصا جدًا في تعامله مع الملكة ومع الناس. ففي ذلك الوقت كانوا ينظرون إلى الساحر على أنه رحل شرير وفي حالة استعداد دائم لإيذاء أي أحد من الناس. هذا الرجل قرأ في كتب السحر العربية القديمة قصة عنوانها فاطمة بنت حسن المصري. ولا أحد يعرف حتى الآن كيف عثر عليها. وكيف أن هذه القصة قد وجدوها بين أوراقه مكتوبة باللغة العربية. وكان يعرف اللغة العربية. ولكن أحدا لا يدري كيف ومتى وأين تعلمها؟ وجدوا رسالة موجهة إلى فاطمة المصري التي تسكن دمشق يقول فيها: لا علاج لك إلا إذا جئت إلى لندن. وإذا جئت إلى هنا فسوف يحبك رجل لم يكن في حسابك. ولا كنت أنت في حسابه. وفي هذا الحب علاج لكما معا. ولكن هذا العلاج يجب أم يبقى سرا. فإذا افتضح أمره. فالموت لكم جميعا. أنت وهو والحب. يقول الدكتور دي أن فاطمة هذه قد سافرت إلى لندن. ولا نعرف بعد ذلك ما الذي حدث. واهتم الدكتور دي بالنظر في الكرة الكريستال. فقد كانت من عادة السحرة في ذلك الوقت أن يأتوا بكرة من الزجاج ويضعون هذه الكرة أمام الإنسان. ويطلبون إليه أن ينظر فيها. وأن يركز انتباهه. وعن طريق تركيز الانتباه التام يستطيع الساحر أن يقرأ أفكار الآخرين. أو ينقل إليهم أفكاره. في مصر مارس هذا الفن كثيرون. وكان من بينهم الراهب الإيطالي الذي مازال حيا جيسي فردي. ولكن فردي لم يعد يحتاج إلى كرة الكريستال وإنما يكتفي بالنظر إلى الآخرين والنفاذ إلى أعماقهم. مما يرويه الدكتور دي في مذكراته الخفية, أنه يعتمد على رجل وسيط. أي رجل عنده هذه القدرة الخفية ويمكن عن طريقه الاتصال بقوى أخرى. أو بأرواح طيبة أو شريرة. ولكن الدكتور دي كان يستعد لذلك استعدادا روحيا خاصا. فكان يصوم أسبوعين لا يذوق إلا الماء وإلا القليل من السكر. ولا يشرب الخمر. ولا يلمس زوجته. ويظل يصلي من الصباح حتى المساء. وفي نفس الوقت كان هذا الرجل الوسيط يطيل النظر في الكرة الكريستال. وبعد أسبوعين يرى هذا الرجل أشباحا ويسمع موسيقى. يقول الدكتور دي أنه لم ير شيئا من ذلك. ولكن استطاع أن يجري حوارا مع هذه الأرواح التي تلبست أو تقمصت أو تجسدت أو تسللت إلى جسد هذا الرجل الوسيط. وكان الحوار في الطب والفلك والرياضيات التي لا يعرف منها الوسيط شيئا. وكان الحوار يدور بالغات اليونانية واللاتينية والعبرية والعربية. وكلها لغات لا يعرفها الوسيط. الدكتور دي عاش سنوات طويلة على أمل واحد. أن تعاونه الأرواح على أن يكون غنيا. ولكنه عاش ومات فقيرا. وقد دخل التاريخ سابقا لعصره بمائتي سنة. فقد كان أول رجل استطاع أن يجري صلة بين الأرواح عن طريق وسيط. أما هذا الوسيط فقد دخل السجن بتهمة السرقة. وقطعوا أذنيه عقابا على تزويره في أوراق رسمية. فقد كان يتعجل الثراء، الذي لم يأت قط. في سنة 1801 ظهر في لندن كتاب اسمه الذكاء السماوي. من تأليف فرنسيس باريت. في الصفحة الأولى هذه العبارة: نحن في عصر النور. العقل سيد الكون. لم يعد أحد يصدق إلا ما تراه عيناه. وتلمسه يداه. وتتذوقه شفتاه. إلى هذه الدرجة أصبح الإنسان ماديا. ولكن الإنسان بخياله وأحلامه وطموحه وعدم قناعته واقتناعه بما يراه ثم تعطشه إلى المجهول، سيظل دائما يبحث عن الشيء الذي وراء الأشياء. ولذلك سوف يكون السحر والأرواح شيئا منعشا للعقل نفسه. هذه العبارة لا يمكن قد قرأها المستشار عبد المنعم الزهيري. لأن هذا الرجل لا يعرف اللغات الأجنبية. ثم إنه عاش معظم حياته أعمى. ولا يمكن أن يكون قد عرف شيئا عن هذا الكتاب الذي ألفه فرنسيس باريت. ولكن المستشار الزهيري يقول أيضا: لم يعد أحد يصدق قصص العفاريت والأشباح. ولكن أهل الريف يصدقون ذلك. ليس لأنهم جهلاء. ولكن لأن فطرتهم سليمة وشفافيتهم مؤكدة. وقد سمعت من جدتي أنها كانت تقول: يجب أن أذهب إلى فلانة لأن لديها نزيفا. وكانت تذهب إليها فتجدها مريضة كما توقعت تماما. وكانت جدتي تقول: إن أمي كانت مثلي وكذلك حالاتي وعماتي. وكنت أسمع من أبي أنه كان ينظر إلى الواحد فيقول له: خد يا ابني هذا الجنيه. ليس في جيبك غير خمسة قروش. وكان الناس يصرخون من الدهشة فقد كان أبي يعرف تماما إن كان الذي أمامه يملك مالا أو لا يملك. وكان يقول أيضا: ليست هذه صفة خاصة عندي. وإنما نحن جميعا نشعر بما عند الآخرين من ضيق. يقول المستشار الزهيري: ولكن العقل الإنساني مهما كان مسيطرا علينا، فإنه لا يستطيع أن يفسر لنا لماذا يستريح الواحد إلى إنسان آخر بمجرد أن يراه. أو لماذا يشعر بالضيق في بيت من البيوت. وإذا سأل عن هذا السبب وجد أن به قتيلا. أو أنه ينام فوق مقبرة. لا يستطيع العقل أن يفسر لنا كيف يمكن شفاء الإنسان بمجرد زيارة ضريح أحد أولياء الله الصالحين. ولا يستطيع العقل أن يقول لنا: كيف يمكن لرجل طيب أن يلمس إنسانا مريضا، فإذا هو قد شفي من مرضه. أو سقطت عنه أوجاعه. إن الذي يقوله المستشار الزهيري لا يختلف في شيء عن الذي قاله باريت في أوائل القرن التاسع عشر. فكلاهما يتحدث عن عجز العقل عن تفسير شيء. ثم هذا العجز هو الذي يجعل الخيال يكمل الطريق الذي وقف العقل عند أوله. في القرن التاسع عشر ظهرت قصص الأشباح والعفاريت. وأقبل الناس عليها بجنون. حتى امتلأت الدنيا عفاريت. والحقيقة أنها لم تمتلئ. ولكن العقل الإنساني ملأها بعلامات الاستفهام. ثم جعل لهذه العلامات أسماء العفاريت والأشباح واللاشعور والقوى الخفية. واللامعقول واللامنطقي. بعد تسع سنوات من ظهور كتاب باريت هذا ولد في باريس واحد من أشهر السحرة في كل العصور اسمه اليفاس ليفي. في سنة 1822 عندما كان في الثانية عشرة من عمره أحس ليفي أن لديه رغبة قوية في دراسة الدين. واتجه إلى دراسة اللاهوت وأصبح قديسا. ولم يكن يريد الدين لذاته، وإنما يريد الدين وسيلة، وإلى العالم الآخر. إلى عالم الروح. ولكنه لم يتقدم كثيرا. ولا لمس في نفسه أية قدرة غير عادية. فترك الدراسة الدينية، وضاقت أمه بذلك فانتحرت. وأحس أن أمه قد ماتت لكي تتحدث إليه من العالم الآخر. وأنه سوف يشرح لها كل شيء عندما يصبح قادرا على الاتصال بها. ولم يفلح في ذلك حتى الموت. هو يؤمن إيمانا مطلقا بأن الإنسان عبارة عن كون صغير. كما أن الكون عبارة عن إنسان كبير. فكل شيء له قواعد. وكل شيء له حكمة. وهو يؤمن بالعبارة التي جاءت على لسان الملك الإله تحوت والتي تقول: كما فوق، كما تحت. أي كما يجري كل شيء فوق، يجري كل شيء تحت. أي أن الحكمة وراء الكون هي نفس الحكمة التي وراء الإنسان. من أشهر التجارب التي قام بها في ذلك الوقت أن طلبوا إليه استحضار روح ساحر الأفريقي أبولونيوس، وقد تهيأ ليفي ذلك. فصام شهرا كاملا. وأغلق على نفسه حجرته. وأشعل البخور وملأ أكوابا بالماء. وظل يقرأ طقوسا عبرية وفرعونية وفجأة ظهر شبح وسط الدخان وظل الشبح تتضح معالمه حتى رآه عشرون من رجال الطب والهندسة والقانون في عصره. يقول ليفي في وصف هذه التجربة: لقد أعددت نفسي تماما لهذا اللقاء. ولا أدعي أنني كنت قادرا على احتمال هذه التجربة. وإنما أحسست بالكثير من الشفافية. لدرجة أنني كنت أعرف ما الذي سيقوله كل الذين حولي قبل أن ينطقوا. وفجأة أحسست أنني مسلوب القوة. وأن الحرارة قد هربت من كل جسمي. وأحسست أيضا نوعا من الخدر في ذراعي وساقي. وفجأة ظهر شيء أمامي. شيء يخيف. أبيض بلا لحية. لم أجد عندي قدرة على أن أتحدث إليه. وحاولت أن أشير إليه أن يتكلم هو. أو يكتب شيئا على المنضدة. ولكني لم أستطع. وأخيرا سمعته يقول لي: تريد تسألني عن فلان وفلان. إنهما مريضان وسوف يموتان في يوم واحد. يقول ليفي: إنني طلبت شيئا صعبا فليس من الحكمة للإنسان إذا كان ضعيف العينين، أن يحملق في الشمس. ولذلك يجب أن أنتظر حتى تصبح عندي قدرة قوية على النظر إلى الشمس. أو إلى الاتجاه إلى عالم الروح. أعطى نفسه عشر سنوات من الدراسة والتأهيل الروحي لذلك. واتجه ليفي إلى دراسة كتب الكبالا القديمة. ولخص موقفه الروحي هكذا. أولا ـ أن إرادة الإنسان قوة عظمى وأنها أعظم بكثير جدا مما نتصور. أو بعبارة أخرى أن الإنسان لديه قدرة هائلة على الصوم، أي قدرة على الامتناع عن الطعام والشراب. دون أن يصاب بضرر. ولكن الإنسان لأنه لم يجرب ذلك، فهو لا يعرف هذه الحقيقة. أي أن إرادة الإنسان في الامتناع عن الطعام أعظم وأقوى مما يتصور. وكذلك إرادة الإنسان وسيطرته على نفسه، على رغباته وسيطرته على الألم قوية جدًا. ولكن الإنسان يجرب ذلك كثيرا. أو مطلقا. ثانيا ـ كما أن الماء ينتقل في القنوات. وكما أن السحب تتحرك في الهواء. فهناك في الكون كله ضوء. أو نور سماوي. هذا النور السماوي على شكل شعاعات. هذه الشعاعات أو هذه الأشعة هي التي تنقل أفكاري إليك. وتنقل أفكارك إلى عقلي أيضا. تماما كما ينتقل عبر هذه الشعاعات أو الإشعاعات السماوية. فأستطيع أن أعرف ما يدور في رأسك. وأتدخل فيه أيضا. ظلت كتب السحر ليفي من أهم المراجع في عالم السحر. وعندما توفي هذا الرجل في ظروف غامضة، حزن عليه الكثيرون من المشتغلين بالسحر. فقد كان الرجل الجاد. وكان لا يدعي لنفسه قدرات خارقة. وإنما كان يقول: إني أنظر إلى أشياء غريبة في جسمي ونفسي. أرقبها. وأدرسها. وأرصدها وأصفها. ولكني لا أعرف بالضبط ما الذي في داخلي. لا أعرف كيف. وتمنيت طول عمري أن أعرف. ولكن سوف أموت، دون أن يتحقق هذا الأمل. لأنني لا أستطيع أن أضم أصابعي على هذه القوة الخفية. لا أستطيع أن أراها، ولا أن أعرضها على أحد من الناس. فلا هي شيء ملموس ولا هي شيء تمكن رؤيته. أعتقد أنه صادق في هذه العبارة. وأن هذه العبارة مطبوعة على لسان كل من لديه نوع من القلق العقلي والوجداني. أي أنها التعزية التي يقولها الإنسان لنفسه كلما وجد نفسه عاجزا عن فهم نفسه أو غيره أو مستقبل الإنسان. في سنة 1831 ولدت في روسيا سيدة لا تقل خطورة عن ليفي هذا. إنها السيدة إلينا هان. من عائلة غنية. تزوجت في السادسة عشرة وأصبحت تسمى مدام بلافاتكسي ولكن سوف أختار اسمها قبل، لسهولته. إنها السيدة هان. لقد هربت من زوجها بعد 16 ساعة من الزواج. لماذا؟ تقول زوجي رجل ليس عنده إحساس. إنه رجل يتوهم أن الرجولة هي كل ما تريده المرأة. إنه مجموعة من العضلات. إنه رأس. إنه عينان. إنه غني. ولكن ليس لديه إحساس بأي شيء آخر. لا هو يعرف الحب. ولا هو يعرف الحنان ولا هو يعرف معنى العلاقة الروحية بين الناس. ولا يتصور أنه من الممكن أن يشبع الإنسان من الكلام أكثر من الطعام. وأن الطعام دون كلام يصد النفس عن أي شيء آخر. إن زوجي رجل جبان. وأنا أشجع منه ولا شيء يدل على شجاعتي إلا أنني تركته عندما قررت ذلك. لكن السبب الحقيقي إلى جانب هذا كله أن السيدة هان عندها إحساس غريب بأن تبتعد عن الرجال. بأن تكون لها حياة نظيفة. تصوم بعض الوقت. تتأمل أكثر الوقت. ومن الغريب أنها ذهبت للعمل في سيرك متنقل. وأن اللعبة التي اختارتها هي أن تركب الخيول بلا لجام. وأن تقف فوقها. هنا فقط أدركت هي أن لديها قوة غريبة. هذه القوة التي تجعلها تقف على الحصان وكأنها مغروسة في ظهره. ومهما فعل الحصان فإنها لا تهتز ولا تسقط. والناس يصفقون لذلك. ولكنها وحدها هي التي تعرف الحقيقة. شيء آخر طرأ عليها. أنها إذا جلست في مكان فإن الناس يسمعون أصوات أجراس ترن في الغرفة. أو يسمعون الموسيقى. ويتلفت الناس حولهم فلا يجدون شيئا ولاحظت أيضا أن الملاعق والأشواك والسكاكين تجري إلى أصابعها. وفي سن الأربعين قررت أن تتفرغ لدراسة القوى الخفية. وسافرت إلى أمريكا. في أمريكا كونت جمعية اسمها جمعية الحكمة الإلهية. هذه الجمعية كانت لها فروع في القاهرة من ثلاثين عاما. أما هذه الجمعية فتقول عنها السيدة هان: إنني على صلة روحية بكهنة مدينة الأقصر. وهؤلاء الكهنة هم الذين أعطوني سر قوتي. وانتشرت هذه الجمعية وزاد أعوانها. وكانت تبهر أعضاءها عندما تجلس إليهم. فلا يكاد الواحد منهم يسألها عن شيء حتى يجد الكثير من الأوراق قد سقطت من السقف وعليها الإجابة. انتقلت إلى الهند. وفي الهند أعلنت أنها على صلة بعدد من الأساتذة الهنود الذين اختفوا في التبت. وتضاعفت أعداد الذين يؤمنون بها. وزادت الأوراق التي تتساقط من السقف. وامتلأت جيوب المريدين بالأجوبة عن كل سؤال يتقدمون به. فكان الواحد منهم يسألها، فتشير إلى جيبه فيجد الجواب باللغة التي يعرفها. تركت الهند وسافرت إلى لندن، وأقبل العلماء والأطباء ورجال الذين على جمعية الحكمة الإلهية. ونقلت صورة هرم خوفو على جدران فروع هذه الجمعية وتحت الهرم هذه العبارة. من هذا البناء الشامخ خرجت الحكمة الإلهية. وإلى كهنة مصر الفرعونية يرجع الفضل كله في معرفة العالم الذي وراء هذا العالم. كان الشاعر العظيم بيتس من أكثر الناس إعجابا بها وإيمانا أيضا. وقد حكا لنا أن في كل مرة يذهب لزيارتها فإن ساعتها المعلقة على الحائط تدق 12 مرة. أيا كانت الساعة التي يجيء فيها إليها. ويقول أنه كان يتعمد أن تكون زيارته مفاجئة وأحيانا كان يخرج. ثم بعد لحظة واحدة يعود. وتدق ساعة الحائط 12 مرة. على فراش الموت لم تجد السيدة هان أحدا. وكانت تشير إلى الساعة على الحائط أن تدق. وكانت الساعة تدق بلا توقف. وامتدت يدها إلى ورقة إلى جوار سريرها تقول أصدق عبارة. غريب كل صاحب موهبة. أيا كانت هذه الموهبة. غريب في بيته. غريب في هذا العالم. فأين الجريمة وما هو العقاب؟ هل الجريمة أنني صاحبة هواية. وها العقاب أن أحاط بأناس لا يصدقونني ولا يشاركونني. إنني أموت هنا في لندن. وزوجي في أمريكا. لم أضايقه. لم أعذبه. ولم أتزوجه أيضا. وإنما عشنا معا. لا أنا عبء عليه. ولا هو. ولكنني غريبة. وهذه الغرابة هي الجريمة والعقاب معا، دقي أيتها الساعة دقي. يا أجراسا بغير كنيسة. ويا كنيسة بغير صلاة. يا صلاة بغير قسيس. جاءت صاحبة البيت لتجد مدام هان قد وضعت الورود على سريرها. وأطلقت البخور في غرفتها وفتحت النافذة. فدخلت عصافير جاءت في غير موسمها. ترفرف بأجنحتها وتزقزق. والساعة تدق. يقول المستشار الزهيري في كتابه عندما وصف كيف مات أبوه: لقد عاد أبي من المحكمة. ترافع. وكسب قضية. ومر على المسجد فصلى المغرب. وعاد إلى البيت ودعانا جميعا. والتفت إلى أخي الأكبر وقال له: أنت طلبت مني بطيخة. هذه هي. ولم يكن ذلك موسم البطيخ. وقال لأختي: وأنت طلبت مني قماشا من الحرير الطبيعي . هذا هو. ولم يكن قماشا وإنما فستانا. وجاء دوري فقال لي: وأنت لم تطلب مني حذاء جديدا. ولكني أعرف أنك تريده. وهذا هو. وكنت أتمنى أن أطلبه منه، لولا أنني خجلت من ذلك. ثم التفت إلى أمي وقال لها: وأنت لم تطلب مني شيئا. وإنما طلبت من الله الستر. وقد كتبت لك البيت والعشرين فدانا باسمك. وأستودعكم الله. ومات أبي. وسمعنا جميعا صوتن المؤذن. واندهشت جدًا فقد كان ذلك عند منتصف الليل. |
التأثير في الآخرين
هذا الرجل مثل رجال آخرين. لا يعرف من أين يأتي هذه القدرات الهائلة على قراءة أفكار الناس. وعلى شفاء أمراض الناس. إنه لم يكن قديسا وإنما كان شريرا ذكيا. وقد اختلف عليه رجال الدين والسياسة وعلم النفس. ولكنهم اتفقوا على أنه ظاهرة عجيبة غريبة ولم يكن فريدا في هذا العالم، فأمثاله كثيرون بين الناس. ابن بطوطة الرحالة المغربي توفي منذ ستة قرون تماما. وفي طريقه إلى الشرق الأقصى توقف في مصر. وزار الكثير من بلادها. وكعادته يسجل كل ما يراه ولكنه لا يفسره وإنما يترك الأجيال القادمة. فعندما كان في أخميم بالصعيد قال له أحد الناس الصالحين: يا شيخ لا تحاول فإنك لن تنجح هذا العام. اندهش ابن بطوطة وحاول أن يحج في ذلك العام فلم يستطع. يروي أنه في مدينة دمياط سمع قصة رجل طيب اسمه الشيخ جمال الدين الساوي. كان هذا الرجل جميلا. وقد تعلقت به النساء. ولكن واحدة منهن كانت أشجع من الجميع. طلبت منه أن يقرأ لها خطابا. فوافق الشيخ. ثم طلبت منه أن يذهب إلى بيتها وأن يقرأ لها الخطاب في داخل البيت حتى تسمعه سيدة ثقيلة السمع. وذهب الشيخ جمال الدين. وأغلقت السيدة الأبواب. وهجمت عليه الخادمات وأمسكنه بالقوة. وطلبت إليه أن يدخل في فراشها. فوافق ثم سألها: وأين دورة المياه؟ فأشارت إلى دورة المياه. ودخل الشيخ وأخرج موسى وحلق شعره وشاربه ولحيته وحاجبيه. ولما رأته السيدة فزعت وطردته من البيت. في أحد الأيام ذهب الشيخ جمال الدين إلى المقابر فقابله أحد رجال الدين وسأله: هل أنت الشيخ؟ قال: أنا هو. سأله: هل أنت الرجل الذي حلق. قال: أنا الذي حلق رأسه ولحيته وشاربه وحاجبيه. فمن أنت؟ فأجاب: أنا أحد المعجبين بكذبك وخداعك للنساء. فصرخ الشيخ جمال الدين ورفع يده إلى الهواء. فعاد شعر رأسه ولحيته وشاربه وحاجبيه. ثم صرخ مرة أخرى فتغير لون شعر من أسود إلى أبيض. ثم صرخ مرة ثالثة فاختفى الشعر كله وعاد الشيخ جمال الدين حليقا تماما. وأقبل الناس على الشيخ جمال الدين يقبلون يديه. وأصبحت له طريقة. أي مذهب ديني. وأتباعه يحلقون شعورهم مثله. تمتما. هذه القصة رواها مؤرخ قديم اسمه أبو عبد الله بن عبد الرحمان الشنواني. يقول في كتابه الذي اسمه يرحمهم الله يقول: كان الشيخ جمال الدين الساوي جميل الصورة. وكانت النساء يمشين وراءه. ولكنه كان يضربهن بالطوب ويضربهن بالعصا. ويرفع يديه إلى السماء. فإذا النساء لا يرين الطريق. فيصرخن ويرفع يديه إلى السماء فيعود إليهن البصر. ومن شدة الفزع يعدن إلى بيوتهن. كيف كانت لهذا الرجل هذه القدرة العجيبة. إن رجلا آخر في روسيا كانت له هذه القدرة. ولكن هذا الرجل كان أسطورة ولا يزال. وكان شريرا. فلم يعف عن النساء. ولا النساء عنه. عاش رجل معجزات ومات رجل خرافات. ولكن من المؤكد أن لهيه قدرة خارقة على التأثير في الآخرين. في يوم أول جانفي سنة 1917 كانت درجة الحرارة عشرين تحت الصفر. شاهد الناس تحت الجليد شيئا غريبا. قطعة من القماش الأسود. فقفز إلى الجليد أحد الشبان. ومد يده إلى القماش الأسود يسحبه. ثم امتدت يده فوجد حبلا و سحبه. وظل يسحب الحبل والجليد يتكسر حتى وجد جثة كاملة لرجل ضخم. قتيل. أطلق عليه الرصاص ثم ألقي في الماء. ويبدو أن هذا الرجل كان قويا لدرجة أنه أفلح بعد أن أطلقوا عليه الرصاص وألقوا به في الماء أن يحرر إحدى يديه ولكنه تحت الجليد مات الرجل. بسرعة عرف الناس أن القتيل هو الراهب الرهيب. راسبوتين. كان راسبوتين يوم وفاته في السابعة والأربعين من عمره. فلاح بسيط. لم يكن يتوقع له أحد أن يكون شيئا. ولا حتى أن يكون راهبا. ولكنه مليء بالحيوية وقد أمضى عمره كله يشرب الخمر. ويستطعم النساء. أو يشرب النساء ويستطعم الخمر. وكان يرى أن لذة الدنيا هي أن يذوب الإنسان في كأس من زجاج أو من لحم ودم. كان يقول أيضا: أن أعظم الفواكه تخرج من أكثر الأرض سوادا. وأعظم ملذات الحياة تخرج من أكثر العلاقات شرا. ويوم جاءته سيدة تقول: فجأة أحببت رجلا ولا أعرف ماذا أصنع. إنه حمى أصابتني. إنه صداع لا يفارق رأسي. إنه دم يجري في دمي. إنه قبل يدق في قلبي إنه جنين في أحشائي. قال لها راسبوتين: إن الذي تشكين منه هو العلاج. أنت لست مريضة يا سيدتي. إن هذه الصحة يحسدك عليها أصحاب العضلات الذين لا يعرفون القلق والشوق والحنين والفناء في معنى والتفاني في أحد. فقالت له: وكيف أراه وأرى زوجي معا؟ قال: إن الذي يحب لا يرى ولا يحس إلا الذي يحبه. قالت: حاولت وتعذبت. فقال: إن حبا بغير عذاب فاكهة بغير بذور. طعام بغير نار. قالت: حاولت. قال: سيدتي. إن الذي تقولينه يجعلني أركع تحت قدميك. فأنت أستاذتي في كيف يصر الإنسان على أن يحب وعلى أن يتعذب ولكن أهم من ذلك كله. أن يحب دائما. لكن راسبوتين لم يكن هكذا فيلسوفا دائما. وإنما في أحيان كثيرة كان يخطف النساء ويستولي عليهن بالعشرات. هل هو الذي يذهب إليهن؟ هل هن اللاتي يجئن إليه؟ إننا نجد دائما عشرات من النساء عند قدميه.ذ هو في الثانية عشرة من عمره استطاع أن يجعل فلاحا يعترف بأنه سرق حصانا وأخفاه. ولم يفعل راسبوتين أكثر من أن ينظر إلى عيني اللص ويقول له: أنت سرقت فيقول اللص: نعم. أين أخفيت الحصان؟ في الغابة. هل تأتي به الآن؟ نعم. لا تسرق بعد ذلك؟ لا أفعل شيئا بعد اليوم. فوجئ أهل القرية بعد لحظات بالحصان قادما من الغابة وقد تدلى منه جثمان اللص. فقد انتحر عندما اقترب من القرية. دخل راسبوتين الدير. ثم هرب منه. وراح يتنقل بين القرى وعاد إلى الدير. وجعل من إحدى غرف بيته كنيسة. وأقبل الناس عليه فقد ظهرت له قدرات غريبة. كان يلمس المرضى فإذا بالمريض يشفى من مرضه. وتزاحم عليه الناس وتضايق منه رجال الدين فهرب من المدينة. وراح يتنقل من بلد إلى بلد تسبقه شهرته في علاج المرضى. في السابعة والثلاثين من عمره وجد نفسه وراء عرش القيصرية الروسية. ووجد نفسه الحاكم المطلق الذي يشير على الإمبراطورة. ماذا تأكل وماذا تشرب وماذا ترتدي. وكيف تبدو أمام الناس. وكانت الإمبراطورة سعيدة بذلك. وهو أكثر سعادة. في يوم قالت الإمبراطورة: لو أن زوجي عرف لون فستاني يوما واحدا لركعت أمامه ألف مرة في اليوم. ولكنه لا يراني إلا عارية. لا يكلمني. لا يسألني. إنني فراش ملقى فوق فراش. أما أنت فتراني وتسمعني وتلمسني وتزلزلني من داخلي. وأنا سعيدة بذلك. أما كيف دخل راسبوتين في حياة القيصر والقيصرة. فهذه هي بداية النهاية للجميع. فقد رزق القيصر بطفل. ولكن هذا الطفل كان مصابا بنوع من النزيف الوعائي قدمه تنزف ولا تجف. واستدعت الإمبراطورة ذلك الراهب الشهير راسبوتين. دون أن يرى الطفل قال للإمبراطورة: ليس خطيرا هذا المرض. اطمئني. ذهب راسبوتين إلى الطفل فق سقط وهو يلعب. ولمسه راسبوتين. فتوقف الدم. وفي غرفة الثالثة سقط طفل وهو يلعب وسالت دماؤه. ولكن راسبوتين كان بعيدا عن العاصمة. فأرسلت إليه الإمبراطورة برقية لتستعجل عودته. وأرسل إليها برقية يقول فيها: ليس خطيرا هذه المرة. ضعي هذه البرقية تحت رأسه. ووضعت البرقية تحت رأس الطفل، وجفت الدماء. وكان من الطبيعي أن يزداد عدد الحاقدين عليه. وأن يتآمروا فقد سلبهم الرجل كل شيء. فلم تعد الإمبراطورة ترى أحدا سواه. ولا تسمع لأحد غيره. واستطاعت الإمبراطورة أن تقنع الإمبراطور بأن هذا هو الرجل الذي يحمي الجميع. تشاء الصدف الغريبة أن ينطلق الرصاص على راسبويتن في نفس اللحظة التي انطلق فيها الرصاص على الأمير النمساوي فرانتس فردناند في سيراجيفو الذي كان موته سببا في قيام الحرب العلمية الأولى ـ أحد الأسباب طبعا ـ في نفس اللحظة مات راسبوتين. وكانت المؤامرة على حياة راسبوتين قد أحكمت تماما في نهاية سنة 1916. فقد استدرجوه إلى أحد مخازن الخمور. وهناك ضربوه بالحديد. ثم أطلقوا عليه الرصاص في ظهره. ثم ألقوا به في نهر نيفا. وعندما أخرجوا جثته، وجدوا في جيبه خطابا موجها إلى القيصر يقول فيه: إنني أتوقع أن أموت في نهاية هذا العام. فإن كان الذي قتلني هم جماعة من الفلاحين، فسوف يعيش عرشك بضع سنوات. أما إذا كان القتلة من النبلاء فلا عرش لك أو لأولادك من بعدك. كما توقع راسبوتين. فقد أعدم القيصر وجميع أفراد أسرته في بوليو سنة 1918. هذه ليست إلا واحدة من مئات النبوءات التي ملأت كتب التاريخ عن راسبوتين. ولم تهتم كتب التاريخ إلا بتلك النبوءات العاطفية لهذا الرجل العجيب. مثلا سألته إحدى الأميرات: هل تتوقع لزواجنا أن ينجح؟ قال: لابد أن يفشل. لماذا؟ لأنكما لا تحبان نفس الشيء. بل أنا أحب زوجي وهو يحبني. صحيح. ولكن الذي يحبه فيك ومنك ليس هو الذي تحبينه منه وفيه. إنه يحب جمالك. ولكنك تفضلين أن يحب حبك له. أن يحب حنانك عليه. وأنت تحبين طيبة قلبه. وهو كان يفضل أن تحبي رجولته. حيويته. قوته. فكلاكما غير راض. الحل. لا حل. سوف تستمر هذه العلاقة طويلا. كما استمرت ملايين العلاقات في هذه الدنيا. واستمرار علاقة لا يدل على نجاحها. ذكر هذه الواقعة الأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار كدليل على قدرة هذا الرجل فقالت: إن الراهب نسى أنه في العلاقات العاطفية العنيفة لا علاج فالمرض هو الشفاء. والداء هو الدواء. وهذا هو الشرط الوحيد في دنيا العواطف. تقول سيمون دي بوفوار: وكما أن الشاعر الإيطالي دانتي قد وجد على باب جهنم كل أمل في النجاة، فكذلك الداخلون في عالم الحب. لا أمل في الشفاء. ولكن راسبوتين لم يتسع وقته كثيرا لكي يفكر في الداء والدواء. في المرض والشفاء. وإنما فقط كان يشير إلى النساء فيسقطن على الأرض. ويشير مرة أخرى فينهضن من الأرض. كان يقول لامرأة في الطريق: عودي إليه. إنه في انتظارك. فتعود السيدة فتجد زوجها الذي هجرها وهرب منذ شهور. ودون أن يعرف السيدة. كان يرى في الكنيسة عروسين في أول يوم زفاف لهما يقول: توأمان ولدان مبروك. وتلد المرأة بعد ذلك توأمين. أو يقول لواحدة. حزينة ممزقة. دموعك على خدك. لا أنت أول من أرغمه القلب. ولا أنت آخر من هزمها الحب. هذا قدرك. كما يولد إنسان بست أصابع. أو يولد طويلا أو يولد قصيرا. أو يولد أبيض أو يولد أسود. أو يولد مريضا أو يولد سليما. كذلك يولد عاشقا أو يولد شاعرا. أو يولد بليدا أو يولد حساسا مرهفا. هذا قدرك. فلا تفكري في الانتحار عيشي. عيشي. في إحدى المرات شاهد فرحا وكانت الفتيات يرقصن وتعرت ساق إحدى الفتيات ونهض واقفا: خسارة فادحة. فلما سألوه همس في أذن إحدى السيدات قائلا: أن يقطعوا هذا الساق الجميلة. ولم يمض شهر حتى اضطر الأطباء إلى قطع ساق الفتاة الجميلة. وغير ذلك كثير جدا. أما رجال السياسة فقد كان لهم رأي آخر في راسبوتين. فقد اتهموه بالرجعية واتهموه بأنه هو الذي أطال عمر القيصرية. وان الأسرة المالكة قد استخدمته لكي يشغل الناس عن الجوع والخراب في روسيا، التي ثارت بعد ذلك. لكن يبقى أمامنا أن هذا الرجل كانت ليده هذه القدرة الغريبة على أن يرى أبعد، ويسمع أعمق، ويلمس موطن الداء، وأن يجذب الناس حوله، ويسيطر عليهم وعليهن. لكن راسبوتين هذا لم يفكر في حقيقة الذي كان يحدث. لم يشرح لأحد أو حتى لنفسه، معنى هذه القدرة الخفية. أو دلالتها أو كيف يستطيع شفاء الناس. لكن رجلا آخر يوناني الأصل عاش في روسيا كان أقدرا على الفهم والشرح وكان ـعمق أثرا. هذا الرجل هو جورجيف والفرق بين الرجلين، كالفرق بين امرأة جميلة وأستاذ في علم الجمال. أو بين زهرة وأستاذ في علم الزهور. الأولى تلفت العين وتبهج القلب والثاني يسرح لنا. معنى الجمال وطعم الجمال. هذا الرجل جورجيف ولد في أرمينيا سنة 1873. وقد تأثر في طفولته برجل ساحر في قريته. وبهره الرجل وبهره السحر. ووجد نفسه مأخوذا بهذا الذي رآه. وامتلأت نفسه بالقلق. والقلق شيء نبيل عند المحبين والفنانين. إنه مثل بندول الساعة. يتحرك يمينا وشمالا. ورغم أن هذا البندول لا يتقدم، فإن العقارب وحدها هي التي تتقدم وهي التي تغير الزمن. ظل هذا الرجل جورجيف سائحا في البلاد عشرين عاما. كأنه يبحث عن شيء لا يجده. وهو في الحقيقة كان يبحث عن شيء في داخله. ثم وجده. فما الذي وجده؟ سمع جورجيف وهو يقول: أنت حي وأنا أيضا. ولكن ما معنى ذلك؟ معناه أننا نتحرك في مجال ضيق. ومعناه أننا نستخدم عقولنا استخداما تافها محدودا ومعناه أننا نشتغل قلوبنا في أمور تافهة. تماما كالذي يجلس على شاطئ النهر ثم يشرب في معلقة أطفال. أو كالذي ينام في الهواء الطلق ثم يغطي أنفه بورقة ويجعل الهواء ينفذ من ثقب ضيق. فما معنى هذا؟ معناه أننا نعيش كأننا مرضى. كأننا نيام. ولماذا لا نحطم قشرة الوعي. ولماذا لا ننسف الغطاء الكثيف على القلب؟ يجب هو عن هذه الأسئلة فيقول: يجب أن نلقي بأنفسنا في النهر. يجب أن نفتح صدورنا للهواء. يجب أن نعرض عقولنا للعلم. يجب أن نسلم قلوبنا للحب. قبل أن نمشي وراء جورجيف في إجابته عن هذه التساؤلات يجب أن أنبهك إلى النظر إلى حياتك أنت في أي يوم. أمسك قلما وورقة واكتب بالضبط ما الذي فعلته أمس. فسوف تجد أن حركاتك محدودة. والأفكار التي خطرت لك قليلة والانفعالات التي هزتك تافهة. تماما كالذي أحرق بيتا كاملا ليشعل من هذه النيران سيجارته. كل هذه النيران من أجل سيجارة. كل هذه الحيوية كل هذه القوة من أجل أن تنزل من بيتك لتمشي في شارع لا ترى معالمه. ثم تركب الأتوبيس واحدا ضمن مائة وتلقي بنفسك إلى الشارع واحدا ضمن ألف، ثم تذهب إلى مكتبك واحدا ضمن عشرة مللت وجوههم وأصواتهم والحياة معهم. ثم تمضي نهارك في نفس الملل، لتعود إلى بيتك أسوأ مما نزلت. وتسقط ورقة من النتيجة أمامك بما يدل على أن يوما من عمرك قد انتهى. وسوف تمضي بقية الأيام. تماما كالذي يضع في جيبه ألف جنيه. ثم ينزل ليشتري علبة كبريت. إنه ليس في حاجة إلى كل هذا المبلغ. ولكنه في نفس الوقت لم يستفد من كل هذا المبلغ. وحياتك الحقيقية هكذا. هناك كنز تحت جلدك. وهناك ينابيع. مناجم. ولكن الذي تستخدمه منها هو هذا الشيء التافه البليد الكسول. لكن يكفي أن نتذكر أنه حدثت لك مواقف صعبة أو مشاكل معقدة. ثم استطعت أن تتغلب عليها ببراعة. ومن الطبيعي أن يقول الواحد منا لنفسه بعد ذلك: لم أكن أتصور أنني أملك هذه المقدرة. أو هذه الطاقة أو هذا الذكاء. هذه العبارة صحيحة لأن الإنسان لا يدري مقدرته هذه، إلا في المواقف الصعبة. عندما يشعر أنه كل مهدد. وأنه في حاجة إلى استدعاء قواته الاحتياطية التي ذهبت إلى نجدته. إلى إنقاذه إلى تأكيد قدرته. أنشأ جورجيف معهدا في باريس. هدف هذا المعهد هو تنسيق القوى الداخلية أو الانسجام المعنوي للإنسان. أما هذا التنسيق فهو أن يتدرب الناس على ذلك طويلا. فيجلس الواحد هادئا. ويغمض عينيه ويصمت ويركز انتباهه إلى أعماقه. إلى أي معنى. أي شيء. أية صورة. يقول جورجيف: لا تزال حالات الحب هي أسمى هذه الحالات جميعا. اسأل المحبين كيف يركز الواحد منهم تفكيره في الآخر. وكيف أن معظمهم يستطيع أن يعرف بالضبط ما الذي يفعله الآخر. أو في نيته أن يفعل. وكيف أن واحدة من تلميذاته كانت تقف أمام فساتينها وتمد يدها إلى الواحد بعد الآخر. وفجأة تعود فتختار واحدا بالذات وتقول: هذا بالضبط ما يريد. إنه يحب أن يراني فيه. ويكره أن أغير هذا الفستان الأحمر. ثم إنها التقت بحبيبها وسألته وقدر ارتدت فستانا آخر. هل تحب هذا فيقول: بل كنت أفضل الفستان الأحمر. وأحب أن أراك دائما فيه. لأنني أتخيلك دائما هكذا. وأراك في نومي هكذا. يقول جورجيف: هذا بالضبط هو الطريق إلى تحريك القوى الكامنة في الإنسان. عن طريق التركيز والاستمرار والتعود على ذلك. وأهم من ذلك كله عن طريق الصدق. ويقول: لو عرف الناس ما الذي استطاع أن يحققه الحب للبشرية لجعلوه طعامهم وشرابهم وكساءهم ودينهم. إن الذي تهدمه الكراهية، يبنيه الحب. إن الذي تهدمه المصانع، تشيده المعابد. إن الذي يفسده الفلاسفة يصلحه الشعراء. أحد تلامذة جورجيف هذا كان فيلسوفا أديبا ولذلك كان أقدر على التعبير واسمه بيتر أوسبنسكي. وقد روى كيف كان أستاذه قادرا على أن يعرف بالضبط ما الذي يجري في داخل التلميذ. وكان التلميذ يقول كنت أسمع صوته في أعماقي. في صدري يقول لي: لا تفعل ذلك. أو افعل ذلك. ولا أعرف كيف كنت أحس به يملأ كياني. كان تلاميذة جورجيف هذا يتبارون في قراءة الأفكار عن بعد. أو في قراءة الخطابات الموجودة في جيوب الزوار أو بعضهم البعض بمجرد أن يلمسوها من الخارج. ولما توفي جورجيف في باريس 1949، لم يترك وراءه ورقة مكتوبة. وإنما ترك لتلامذته أن يكتبوا ماذا قال لهم، وماذا فعل بهم وبغيرهم من الناس. كان أوسبنسكي هذا من أعظم تلامذته. وأقدرهم على الكتابة الجميلة. وهو يروي قصته عندما بلغ الأربعين من عمره. يقول: فجأة هبت عاصفة. وفجأة أضاءت الدنيا. وفي مهب العاصفة وقعت كأنني شجرة. ولم أسقط. وفي الضوء الباهر اكتشفت أن شيئا قد ضرب قلبي فانفتح. ورأيت الفتاة التي أحببتها حتى الموت واتخذت قرارا عنيفا أنني أنا الذي أحببتها وأنه قدري. وأنني لن أبوح بهذا الحب ولكني أدين لها بكل القصائد التي كتبتها وطلبت أن تنشرها بعد وفاتي. لا خوفا عليها. فلا خوف عليها. ولا تشويها لسمعتها. ولكن إمعانا في تعذيبي لنفسي. فعلى ضوء النار في أحشائي كتبت. وعلى وهج الوجدان في قلبي سجلت اعترافاتي. لما جاء القسيس على فراش الموت. طلب إليه أن يعترف. فسأله إن كان الاعتراف ضروريا. وهز القسيس رأسه بأنه ضروري. فقال للقسيس أحببت. فسأله القسيس: من؟ قال: ف. ف. فلانة. لم يعرف أوسبنسكي هذا أن فلانة هذه قد ماتت على فراشها في نفس هذه اللحظة. مع أنه لم تكن بينهما صلة. الحب عادي في حياة الإنسان. ولكن الذي ليس عاديا في هذه القضية أن أوسبنسكي هذا كان يستطيع أن يروي ما الذي فعلته محبوبته في أي يوم منذ تنهض من النوم وهي تلقي نظرة علة زوجها الممدد إلى جوارها غارقا في النوم، وغارقا في عدم الشعور بها حتى تعود إلى الفراش في الليل لتغرق مرة أخرى في بخار كثيف من السجائر والخمر. قد روت لنا ذلك المرأة الوحيدة التي باح لها بكل شيء. زوجته. إحدى تلميذاته واسمها ديون فورشن كانت لديها قدرة عجيبة على أن ترى هالات النور حول النباتات. وترى قطرات الدم تنزف من أوراق الشجر عن=دما نمزقها. سوف أتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد. وسوف أشرح أحدث النظريات العالمية المعاصرة التي تؤكد أن للنباتات إحساسا وشعورا ولغة. كانت لديها قدرة غريبة على الإحساس بالأماكن. فإذا دخلت غرفة تقول: كان هنا قبل حضوري أربعة أشخاص رجلان وسيدتان. ثلاثة منهم يدخنون. والرابع مريض بالقلب. أو تقول: على هذا السرير نام ثلاثة في الليلة الماضية. وتشاجروا جميعا. ويسألونها: كيف؟ تقول: إنهم ثلاثة من الإخوة لم يروا بعضهم البعض منذ وقت طويل. ناموا متجاورين أول الليل. وفي آخر الليل تركوا الغرفة وناموا خارج البيت. يكون ذلك صحيحا. وفي آخر أيامها انهارت وهي على فراشها تقول: أنا مثل بطارية استخدمت حتى استهلكت فخمدت تماما في فترة قصيرة. ومن الحوادث العجيبة في حياتها أنها اختفت مع زميلة لها في معهد جورجيف. فدارت بينهما معركة غريبة. لاحظت ديون فورشن هذه أن عددا كبيرا من القطط يتجمع دائما عند باب بيتها. لدرجة أنها لم تستطع أن تخرج من البيت لأي سبب. وعندما كانت تحاول أن تخرج من النافذة تنتقل القطط في انتظارها. وعندما حاولت أن تمشي من سطح بيتها إلى بيت آخر كانت القطط في انتظارها. أما كيف حدث ذلك، فهو أن زميلة أخرى قد تسلطت على القطط ودفعتها إلى التربص والهجوم كلما انفتح باب أو شباك. فما كان على ديون فورشن هذه إلى أن عكفت في بيتها على التركيز والتفكير والتأمل حتى تسلطت هي الأخرى على القطط النائمة على باب وعند النوافذ ودفعتها إلى السيدة الأخرى. ولم تشهد ديون فورشن هذه ما أصاب زميلتها. ولكن حدث في يومين متتالين أن نشرت الصحف وفاة الزميلتين في معهد جورجيف. والحقيقة أنهما توفيتا في ساعة واحدة وفي يوم واحد. واختفت القطط. يروي المؤرخ العظيم ابن خلدون أنه قال: هناك بعض الناس لا يقربهم الذباب. ومن الملاحظات العجيبة أن نجد خمسة من الناس يأكلون. ويقترب الذباب من كل الأطباق إلا طبقا واحدا. ويقال: أن بعض الناس عنده هذه القدرة الشخصية على طرد الحشرات عنه. دون أن يبذل مجهودا في ذلك. قال ابن خلدون: كنت في طفولتي أحب الكلاب. وأنفق عليها طعامي ومالي. وكنت إذا ذهبت إلى أحد البيوت فإن الكلاب تترك كل من في البيت ثم ترقد عند قدمي. ويتعجب الناس ولكني أعلم ذلك واعلم أن الكلاب تحبني. أو أن حبي لهذه الكلاب هو الذي يجعلها تتجه ناحيتي. ولكن كيف تشعر هذه الكلاب بأنني أحبها. وكيف ينتقل شعوري هذا إليها؟ أما المعنى الذي توقف عنده ابن خلدون فهو أن هناك بعض الناس لديهم هذه القدرة الصغيرة أو الهائلة على التأثير في الحيوانات فتقبل عليهم، أو تتربص بهم. والذي لم يعرفه ابن خلدون أن لبعض الناس هذه القدرة الهائلة في التأثير على النباتات والزهور. وأنه أمكن تسجيل ذلك علميا. كما سوف نرى. |
السحر الأسود أغرب و أخطر أنواع السحر
نوعن من السحر. واحد يستمده النبي أو الولي أو القديس من الله. واحد يستمده الساحر من نفسه أو من الآخرين لإيذاء الآخرين. وهذه هي القوة السوداء. القرآن الكريم يحدثنا عن كيف تحولت العصا إلى ثعبان. مرة تحولت العصا إلى ثعبان في يد ساحر فرعوني. ثم تحولت إلى ثعبان في يد موسى عليه السلام فأكلت الثعابين التي خرجت من أيدي السحرة. ويرى القرآن أن الذي حدث لموسى كان بإرادة الله وقدرته التي حلت في موسى وفي عصاه. أما الذي فعله السحرة الفراعنة نوعا من الإيهام. وكان خداعا. وقد هيأ الله موسى لهذه المعجزة قبل أن يواجه السحرة الفراعنة. يقول القرآن الكريم:" وما تلك بيمينك يا موسى". قال:"هي عصا. أتوكأ عليها، وأهش بها غنمي، ولي فيها مآب أخرى". قال:" ألقها يا موسى". فألقاها. فإذا هي حية تسعى. قال:" خذها ولا تخف. سنعيدها سيرتها الأولى. واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء" آية أخرى. ثم أمر الله موسى وأخاه هارون أن يذهبا إلى فرعون. يطلبان إليه خروج اليهود من مصر. وأن يعلنا له أن هذا تكليف من الله. وأكبر دليل على ذلك أنه يستطيع أن يبطل ما يقوم به سحرة فرعون الذين يلقون العصا فإذا هي ثعبان. ولكن ثعبان موسى يأكل ثعابينهم وبذلك يبطل سحرهم. يرويها القرآن الكريم أروع وأجمل: وقالوا:" يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى". قال:" بل ألقوا". فإذا حالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم، أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة". موسى. " قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا. إنما صنعوا كيد ساحر. ولا يفلح الساحر حيث أتى". قصة حياة هؤلاء السحرة في كل العصور لها نهاية غامضة حزينة. فمن يقرأ عن المشتغلين بالسحر يجد أنهم ارتفعوا بالسلطة والحيلة، وامتلأت جيوبهم بالمال. وفجأة يتساقطون في الطرقات أو في السجون. وفي أسوأ وأحقر حال. قصة موسى هذه تؤكد أن هناك نوعين من القدرة أو القوة. قوة يستمدها الإنسان من نفسه ومن الآخرين. وذلك بأن يؤثر عليهم أو يوهمهم بأنه يفعل شيئا ما، ويصدقه الناس. وقوة ثانية بمدد إلهي. وذلك بأن يتصل إنسان ما، نبي أو أحد عباد الله الصالحين بالقدرة الإلهية. فإذا هذه القدرة تجعله يصنع ما يعجز أي أحد عن صنعه. حتى لو كان ساحرا. أي حتى لو كان قادرا على أن يسحر كل الناس. أو يبهرهم. فإنه يستطيع ذلك معهم، وليس مع الأنبياء أو الأولياء. كما تؤكد لنا ذلك قصة موسى عليه السلام. لدى الشعوب كلها قصص عن سحرة أتوا بأشياء خارقة. ولا يوجد سبب واضح يفسر هذه القدرة الخفية عند بعض الناس، وكيف يستطيع هؤلاء الناس أن يؤثروا في الآخرين. ثم كيف يهتدي هؤلاء السحرة إلى نوعيات من الناس يمكن التأثير فيها وعليها. مثلا في مارس سنة 1965 م فوجئت فتاة صغيرة برجل قبيح الوجه يدق الباب. من أنت؟ أنا كستيلان. ماذا تريد؟ طعاما. فقط؟ وبعض الماء. هل تعمل شيئا؟ لا أجيد أي عمل. تفضل أدخل. بعد أيام خرج هذا الرجل ووراءه الفتاة تمشي في كل بلد، ولا تقوى على أن تفارقه. ولا تعرف كيف سحرها. هي جميلة وهو دميم. هي ذكية. وهو أبله. عاطل. ولكنه تسلط عليها تماما ثم اعتدى عليها. وحاولت الفتاة أن تهرب منه، فكان يكتشف ذلك دائما. وحاولت أن تستعين بالآخرين. ونجحت. وحوكم بالسجن 15 عاما. أما قدرة هذا الرجل فإنه استطاع أن يحول أي شيء إلى طعام. وأي ماء إلى نبيذ. وأية كومة من القش إلى لحم أو فاكهة. وهذا الرجل كاستيلان استطاع أن يهتدي إلى الفتاة التي يمكن أن تتأثر به. عرفها بسهولة. وتسلط عليها. ثم استولى عليها. هذا ما يسمى بالسحر الأسود، أي السحر الذي يستخدمه بعض الناس للمنفعة الخاصة. فهو يستخدم قدراته لنفسه. مهما كانت ضارة بالآخرين. عادة فإن هؤلاء السحرة يلقون نهاية سوداء أيضا. والذين رأوا كاستيلان عندما خرج من السجن. ساروا وراءه. وإذا به يقف في ميدان عام. ثم يسقط كومة من اللحم الأسود وتنبعث منه رائحة كريهة فهرب الناس. وعندما عادوا ليروا ماذا حدث لبقايا كاستيلان وجدوا كلبا ميتا. لدى كل الشعوب كتب قديمة تتحدث عن السحر. أو عن تاريخ السحر. وفي أوروبا في العصور الوسطى اشتهر كتابان قديمان. أحدهما اسمه كتاب الخلق، وقد ظهر في القرن الثاني بعد الميلاد. الآخر اسمه الجلال، وقد كتب باللغة الآرامية، كتبه موسى بن ليون في القرن الثالث عشر. الكتابان يتحدثان عن مذهب الكبالا القديم. والكبالا مذهب ديني يروي قصة آدم منذ كان في الجنة حتى هبط إلى الأرض. وعندما كان في الجنة كان على مقربة من الله. أو كان في حضرة الله. وعندما هبط إلى الأرض ابتعد عن الله. ولابد أن يبحث الآدميون عن سبيل ليعودوا إلى الله. والطريق إلى الله شاق وصعب. لابد من عقاب يجب أن يجتازها الإنسان حتى يرتفع من الأرض إلى السماء، أو من الآدمية إلى القدسية، أو من الخطيئة إلى الطهارة. مذهب الكبالا يؤكد لنا أن الإنسان يشبه ذبابة وقعت في خيوط العنكبوت. وخيوط العنكبوت هي ملذات الدنيا ومخاوفها. وهي معقدة. متشابكة. ولا يستطيع الإنسان أن يفلت منها إلا بأن يتسامى إلى الله، وإلا بأن يجئ العنكبوت ـ وهو الموت ـ فيقضي عليه. من أشهر السحرة الذين قرؤوا الكبالا ومارسوها وأضافوا إليها من قراءة في العلوم والفلسفة رجلان. أحدهما اسمه أجريبا والآخر اسمه، باراسيلسوس. وكلاهما من الذين درسوا العلوم المعاصرة والفلسفة وكانت لهما كتب. ولعل دراستهما الفلسفية والعلمية هي التي جعلت الناس يقبلون عليهما وينظرون إليهما بشيء من الجدية. ومن الدهشة أيضا. أما أجريبا هذا فقد ولد في مدينة كولونيا بألمانيا سنة 1486 م. وكان تلميذا متفوقا في الجامعة. قرأ وتأمل. وكتب لنفسه. ثم نشر كتبا بعد ذلك أزعجت رجال الدين ورجال الجامعة أيضا. اهتدى إلى الكبالا وأصبح ساحرا في العشرين من عمره. وعمل سكرتيرا للإمبراطور. ولكن الوظيفة لم تسعده. لأنه يريد القوة. ويريد المال والمال والقوة. وهرب من القصر الإمبراطوري. وراح يتنقل في أوروبا وأصبح رجلا شهيرا. ثم عاد إلى الإمبراطور. وترك قصره واتجه إلى قصر ملكة النمسا. وثار عليه الكهنة وتآمروا عليه. وتمكنوا من الإيقاع به حتى طردته الملكة. لكن أجريبا هذا قد أصدر كتابا بعنوان الفلسفة الخفية. يعتبر من أعمق وأوفى الكتب التي صدرت عن السحر حتى الآن. وعلى الرغم من أن هذا الكتاب لم يلق العناية التي يستحقها في ذلك الوقت فقد أصبح بعد قرون من وفاة مؤلفه من أهم المراجع التاريخية. هذا الكتاب قد فرغ من تأليفه وهو في الثالثة والعشرين من عمره. وهذا الكتاب قد أغضب الناس جميعا لأنه يقول: لا فائدة من العلم، ولا قيمة للعلماء، والسياسة كذب، ورجال الدين نصابون، والأباطرة جبناء، ولو كان الأمر في يدي لدفنتهم جميعا وأرحت العالم منهم. رغم هذه العبارات الغاضبة التي لا يعرف أحد لماذا كتبها، ولا في أي حالة نفسية، فإنه من المراجع في فن السحر. وكان أجريبا طويل اللسان شريرا ولم يمسك لسانه لا عن الملك ولا عن الملكة، فأدخلاه السجن. وخرج من السجن وهو في التاسعة والأربعين. أما قدرة أجريبا هذه فكانت واضحة في التنبؤ. فهو يستطيع أن يتنبأ بما سوف يحدث للناس لدرجة أنه كان يندهش مما يقول. ولا يعرف كيف يرى الأشياء قبل وقوعها، ولا كيف يسمع الحوار والكلمات قبل أن ينطقها أصحابها. ومن الحوادث المشهورة أنه في مجلس الملك قال: حمدا لله أنك لست على سريرك الآن يا مولاي. فسأله الملك: لماذا؟ قال: لأصابك الشمعدان في رأسك. قال الملك: كيف؟ قال أجريبا: لأنه سوف يسقط على السرير بعد خمس دقائق. بعد خمس دقائق ذهبوا جميعا ليروا أن الشمعدان قد سقط على السرير. ثم التفت إلى الملك ليقول له: والحمد لله أن الملكة لم تكن هناك وإلا ضحكت كثيرا لهذه الإصابة وقالت: أن الملك قد توفي كالشياطين الذين تحرقهم نجوم السماء.ذ بعد لحظات جاءت الملكة وروى لها الملك ما حدث وكيف أن أجريبا قد تنبأ بما حدث. وهنا ضحكت الملكة وقالت: هكذا تموت الشياطين يا مولاي. أن نجوم السماء تسقط عليهم وتحرقهم. من أعماله الشهيرة أنه كان يضع سلة بين عدد من المتهمين بالسرقة ويطلب إليهم أن ينظروا إليها. ثم يطلب من كل واحد أن يمد يده ناحيتها. وإذا تحركت السلة عندما تمتد واحدة من الأيدي كانت يد اللص. أو كان يأتي بسلة ثم يطلب إلى أحد أن يذكر أسماء المتهمين. فإذا اهتزت السلة عند نطق واحد من الأسماء كان ذلك هو اللص. أما فلسفة أجريبا كما جاءت في كتابه فهي. أن الإنسان أقوى بكثير مما يتصور وأن عمر الإنسان قصير. وهذا هو الذي يدفع الإنسان إلى أن يستعجل في كل شيء حتى لا يفوته شيء. وهذا هو الذي يدفع الإنسان إلى السرقة وإلى الغش وإلى القتل. فهو يريد أن يحصل على المال أو على السلطة بسرعة. وليس السحر إلا نوعا من استعجال وقوع الأحداث. وفي نفس الوقت فإن السحر هو استخدام القوة الكامنة في الإنسان وتحريك القوى الكامنة في نفوس الآخرين. ومن هاتين القوتين معا يستطيع الإنسان أن يحقق شيئا خارقا وهو يحقق هذا الشيء الخارق مستخدما عقله وخياله، ثم الحيوية الخاملة النائمة البليدة الموجودة عند الآخرين. فالساحر ليس إلا رجلا أمسك عودا من الحديد الساخن به النيران الخامدة في عقول وخيال الآخرين. وأحيانا تحرقهم، وأكثر الأحيان يحرق نفسه. ولو كان أجريبا يقول كلماته هذه بالعقل لاستمع إليه الناس. ولو كان يقولها بهدوء لالتف حوله الناس. ولكنه كان ينطقها وهو يلعن العلماء ورجال الدين والساسة تماما كما تقول أنت لأحد من الناس: هل تعلم أيها المغفل الحمار أن 2 * 2 = 4 . رغم أن هذه عملية حسابية صحيحة فإن الأسلوب الذي قيلت به لا يشجع أحدا على أن يسمعك حتى تكمل كلامك، أولا لا يجعله قادرا على الاحتمال الحقائق الأخرى، مهما كانت رائعة. وكذلك كان أسلوب أجريبا منفرا وهو يعلن على الناس اكتشافاته النفسية والسحرية. أما الساحر الثاني فهو باراسيلسوس ولد في سنة 1493. أبوه من علماء سويسرا. وقد درس الطب. وتفوق في دراسته الجامعية. وكان يعالج كل الأمراض. حتى الشلل النصفي. استطاع أن يعالجه بمجرد لمس المريض. أو إخراج بعض الدم من جسمه. كان عصبيا. وكان كثير الصراخ. وفي بعض الأحيان كان إذا رأى مريضا صرخ في أهله وفي بعض الأحيان يسقط هو على الأرض من شدة العصبية. ولو دخل أحد غرفة المريض لوجد اثنين ممددين أحدهما على السرير والآخر على الأرض. أما الذي لا حراك فيه على الأرض فيكون الطبيب عادة. وفي بعض الأحيان لم يدفع له أحد المرضى تكاليف العلاج فقدمه للمحكمة. وفي المحكمة شتم القضاة، فأفرج القضاة عن المريض، وحبسوا الطبيب. وضاق بالحياة في سويسرا، فراح يتجول في كل أوروبا. عندما كان يلقي محاضراته في جامعة بال بسويسرا قاد مظاهرة من الطلبة في يد كل منهم كتاب لابن سينما الفيلسوف العربي. وفي أحد الميادين طلب أن يحرقوا كل كتب ابن سينا. كان إلى جانب أنه عصبي، سكيرا مسرفا. كان يجمع المال ويبدده في نفس اللحظة. وقد شاهدوه في إحدى المرات يخرج المال من جيوبه ومن حقيبة يده، ثم يلقي بها في النهر وهو يهمس بعبارات غير مفهومة. ثم تتغير معالم وجهه. وعندما تختفي الفلوس تحت الماء يشرق وجهه من جديد. وبعد ذلك يبحث عن المرضى ليعالجهم مجانا. أو بالفلوس، حسب حالته النفسية العصبية الغريبة. ظل يتجول في أوروبا 14 عاما. ولكن لأسباب غير معروفة، قرر أن يرتق أحد الجبال ماشيا على قدميه. ومن أعلى الجبل سقط. أو ألقى بنفسه. وظل يتدحرج حتى مات. والذي يبعث على الدهشة حقا أن هذا الرجل الذي كان يملك قدرة هائلة، كان نحيفا هزيلا شاحبا وكان إذا صافح إنسانا أيا كانت قوته، فإنه يصرخ من قبضته العنيفة. أو كان إذا سحبه فإنه لابد أن يسقطه على الأرض. وكان يستطيع أن يرفع منضدة ضخمة مهما كانت كمية الأطباق أو الطعام أو الأدوات الفضية الموضوعة عليها. فكان يقترب من هذه المائدة ثم يضع أصبعا واحدا عليها ويدفعها إلى الأمام مرة واحدة فإذا هي تنتقل من مكانها وتنكسر كل الآنية التي فوقها. كان باراسيلوس هذا يقول في كتبه: لست أجد إلا تفسيرا واحدا لكل ذلك. أما التفسير فهو أنظر إلى النفورات، إنها تندفع إلى أعلى وبشدة. لماذا؟ لأن هناك ضغطا قويا من السماء تحت الأرض. فتحت الأرض خزانات من المياه لا أول لها ولا آخر. وهذه المياه تجد ثقبا في الأرض فتندفع إلى أعلى. أما الخزانات التي في الإنسان فهي القوة الخفية. ولا يخرج من هذه القوة الخفية إلا القليل. ونحن لا نعرف كيف نخرج هذه القوة. ولا متى. ولا من هو الإنسان السعيد أو الشقي الذي ينفرد بهذه القوة المتدفقة. ظلت هذه العبارات غامضة أكثر من أربعة قرون. حتى جاء مواطن سويسري عظيم اسمه كارل يونج. هذا العالم النفسي هو الذي حدثنا بعد ذلك عن قوة اللاشعور. أو قوة العقل الباطن. وهذا العقل الباطن هو الخزان الحقيقي لكل قوى الإنسان. من هذا الخزان تندفع نفورات السلوك الإنساني. كارل يونج هو الذي قال: أننا نستخدم جانبا قليلا من قوانا الظاهرة و الباطنة أو قدراتنا الشعورية واللاشعورية. ولكن وعلى الرغم منا ستندفع قوانا اللاشعورية تفعل لنا كل شيء، دون أن ندري. جاءت على أوروبا سنوات طويلة كانوا يطاردون السحرة ويحرقونهم مع كتبهم. وكانوا يحرقون ويغرقون كل إنسان غريب لا يفهمه الناس. ولذلك مات كثيرون ظلما، وأحرقت كتب كثيرة. واختفى بسبب الخوف، أناس كانوا يعملون في السحر. القرن السادس عشر في أوروبا من أسود العصور في تاريخ القوى الخفية. ولذلك لم يصلنا من أعمال السحرة ومن تاريخهم إلا القليل جدا. حتى الذي وصلنا كان غامضا. لأن السحرة قد خافوا على أنفسهم، فأصدروا كتبا غامضة. من بين هؤلاء الساحر الفرنسي الشهير نوسترا داموس. وكان من أشهر الذين تنبئوا بمستقبل البشرية، ولمئات السنين بعد فاته. وقد ذهب الكثيرون من حماسهم لنسترا داموس أنهم وجدوا في قصائده الغامضة تاريخ الثورة الفرنسية والحرب العالمية الأولى والثانية ورحلات الفضاء وموت الملوك والرؤساء حتى القرن العشرين. نوسترا داموس هذا كان قد قرأ في كتب السحر القديمة. وفي لغات كثيرة. وكان يعرف العربية والعبرية والهندية ولغات أخرى عديدة. ولا أحد يعرف بالضبط كيف ومتى وأين درس كل هذه اللغات. وعندما نظم نبوءاته جعلها شعرا وباللغة اللاتينية، إمعانا في إخفائها. ولكن رغم هذه التنبؤات الغامضة المكتوبة، فإنه قد تنبأ لأناس كثيرين حوله بأشياء كثيرة صادقة مائة في المائة. فقد قابل واحدا وقال له: أما تزال حيا؟ شيء عجيب. كان من المفروض أن تموت منذ خمس دقائق. وبعد خمس دقائق بالضبط أصابه طلق ناري فمات. قابل سيدة يوم زفافها ونظر إليها طويلا: هل زوجك اسمه شارل؟ فقالت: لا يا سيدي. قال: شيء عجيب. أليس اسمك جوليت؟ قالت: اسمي جوليت. قال: إذن زوجك يجب أن يكون اسمه شارل. عرفت الزوجة لأول مرة. أن زوجها اسمه الحقيقي شارل، ولكنه اضطر لتغييره لأسباب تتعلق بهربه من رجال الشرطة في مدينة أخرى. في القرنيين 17 و 18 ظهر العلماء العظام مثل نيوتن. الذي اكتشف قانون الجاذبية الأرضية. وفي هذين القرنين ازدهرت العلوم وأنارت الدنيا بضوء العقل. واختفى الظلام النفسي وتوارت كلمات السر والسحر والقوة الخفية. لكن نيوتن نفسه قد درس القوة الخفية ودار رأسه حول رقبته وهو يقول: إن الجاذبية نفسها إلا قوة خفية. ولكننا لا نعرف إلا آثارها. أما هي بالضبط فلا أحد يعرف. أنا شخصيا لا أعرف ولا أظنني سوف أعرف ذلك. فإن عمرا واحدا لا يكفي ليعرف مثل هذا السر الكبير. في سنة 1734 ولد رجل اسمه مسمر. هذا الرجل قد أدخل اسمعه في القاموس. وأصبحنا نشتق من هذا الاسم أفعالا. فنقول أن فلان تسمر. وأنه أصيب بحالة المسمرة. وهي في اللغات الأوروبية كلها لها معنى واحد هو أنه في حالة تنويم مغناطيسي. هذا الرجل مسمر طبيب سويسري وكانت رسالة الدكتوراه عن موضوع غريب. أثر الكواكب على صحة الإنسان القمر بصفة خاصة. وكانت لهذا الرجل اجتهادات في العلاج. فهو مؤمن بأن لديه قدرة غريبة. هذه القدرة الخفية تساعد على شفاء المرض. مثلا جاءته سيدة عندها تقلص معوي. وكان يطلب إليها أن تنام. ثم يمر بيديه على أمعائها. بعض الوقت فيذهب المغص والتقلص. وكان يعالج الشلل أيضا بتدليك بيديه. له نظرية تقول: أن جسم الإنسان ليس إلا مجموعة من الأوعية. هذه الأوعية مليئة بالسوائل. هذه السوائل تتوقف أحيانا. لأن شيئا ما قد سد الطريق أمامها. وهو يقوم بإعادة الحركة في داخل الأوعية والأنابيب. أو يقوم بتنشيط العصارة في داخل هذه الأنابيب. أو بعبارة أخرى يقوم بتسليك هذه عن طريق القوة الخفية الموجودة في داخله. أو عن طريق تنويم المريض لكي يستسلم للطبيب. فإذا استسلم راح الطبيب، دون تدخل من المريض، يحرك العصارات الموجودة في أحشائه. وكان يلاحظ أيضا أنه إذا اقترب من المريض راح ينزف. وإذا ابتعد عند فإن الدم يتوقف. أو العكس حسب الأقوال. له تفسير آخر يقول فيه: في داخل الإنسان حياة أو حيوية أو مغناطيسية حية. وأن الذي يفعله هو تحريك ذلك كله. أو إعادة الحركة إلى الجسم الإنساني. وله رأي آخر أن الجسم الإنساني له إيقاع وأن المرض اختلال في هذا الإيقاع. وأن الصحة هي انضباط الإيقاع. والذي يفعله مع أي مريض هو إعادة ضبط الإيقاع. لم يستخدم هذه الكلمات وإنما قال هذا المعنى. وأصبح هذا المعنى نظرية علمية نفسية بيولوجية بعد ذلك في القرن العشرين. وعندما فشل في علاج بعض الأمراض الصعبة لم يقبل منه ذلك. فطردوه. وهرب إلى باريس. وفي باريس لجأ إلى نوع من العلاج الجماعي وذلك بأن يأتي بالمرضى معا. ويتحدث 'ليهم. ويؤثر فيهم. ويعالجهم معا. وكان يطلب إلى المرضى أن يرقصوا على إيقاع موسيقى يختارها. وكان يطلب إليهم أن تتلامس مؤخراتهم أثناء الرقص. هذا التلامس وعن طريق الموسيقى ينظم الإيقاع الحيوي في الأجساد ويكون العلاج. لما ضاق بالناس اعتزل في بيت في سويسرا حتى مات في ظروف غامضة. ولكن الذي لم يتنبه إليه معاصروه هو أن الإيحاء قوة حقيقية أي أنه كانت لديه القدرة على الإيحاء، وأن لدى الناس الاستعداد لأن يوحي إليهم. لكن أحد تلامذته واسمه الماركيز بيسجور قد استخدم الإيحاء في العلاج فكان يستخدم عودا من الخشب يدق به على رأس المريض فإذا هو ينام، ويستغرق في النوم. أما العاشق الشهير كازا نوفا الذي عاش في نهاية القرن 19 فكانت لديه قدرة هائلة على إقناع الآخرين أو على الإيحاء للآخرين بأي شيء. وكان محدثا ممتازا. هذا الرجل كان يقنع النساء، أكثر من إقناعه للرجال وكانت ضحاياه من النساء بالألوف. ولم يكن جميلا، ولا غنيا ولا فحلا. وإنما كان شخصية نافذة ساحرة. قابل فتاة جميلة فقال لها: أنت تعيشين هنا. إن لك مكانا في باريس. سوف تكونين عشيقة الملك اذهبي إليه. لعله يراك. ذهبت الفتاة إلى باريس. ورآها الملك فكانت عشيقته. هل هي نبوءة؟ هل هو إيحاء؟ في إحدى المرات قال لعروس في ليلة زفافها هذا الرجل لا يناسبك. ففيه عيوب كثيرة. سألته العروس: هل تعرفه؟ لم أره قبل اليوم. ما هي عيوبه؟ بعضها أقوله لك أمام أهل العروسين والبعض الآخر أقوله لك في أذنك. فانزعجت الفتاة. وجاء أهل العروسين. فقال: الذي أقوله لك أمام الجميع. إنه عاجز جنسيا. ثم سكت وقال: ولن أقول لك شيئا في أذنك. وإنما سأعلن ذلك أيضا. إن زوجك متزوج من سيدة أخرى. سقط العريس منهارا. وكل الذي قاله كازا نوفا كان صحيحا. كيف كان ذلك، مع أنه لم يرى العروسين، ولا جاء إلى هذه القرية الصغيرة على الحدود الإيطالية قط؟ في سنة 1740 وصل إلى باريس رجل اسمه سان جرمان يبلغ من العمر 30 سنة وبسرعة أصبح صديقا للملك لويس الخامس عشر. وصديقا لعشيقته مدام بومبادور. ولا أحد يعرف من أين جاء هذا الرجل ولا أين ولد؟ ولم يره أحد قط يأكل أو يشرب. وكانت لدى هذا الرجل قدرة هائلة على معرفة التواريخ والأرقام. ولم يستطع أحد في زمانه أن يحاربه في معرفة التواريخ، ولا أكثر الناس تخصصا. والذي يؤمنون بالسحر الحديث، يعتقدون أنه لم يمت. وأنه يعيش بشكل ما في بلاد التبت. هذا الرجل الغريب مات من الجوع فقد وقف شهرا كاملا في مكان واحد لا يتحرك وهو يقوم بتحويل الأحجار إلى فاكهة. ولكن الذي ضايقه أن الأحجار تتحول فعلا إلى فاكهة، ولكن بعد أن تتحول إلى فاكهة تعود من تلقاء نفسها حجرا. وقد ظل شهرا كاملا يحاول أن يوقف ذلك، فلم يستطع فمات جوعا. أو اختفى ليظهر في مكان آخر. هذا ما يقوله تلامذته حتى اليوم. ظهر في إيطاليا رجل اسمه كاليوسترو هذا الرجل كان على علم بالتاريخ الفرعوني. وكان يقول أنه تعلم السحر من الفراعنة. وأن الحياة الخفية هي التي كان يعيشها المصري القديم وأن الكهنة المصريين لم يبوحوا له بكل أسرارهم. لكن بعضها فقط. وحجتهم في ذلك، أنه لا يحتاج إليها في حياته. ثم أن جسمه لا يقوى على احتمال السحر الفرعوني القديم. كان يقرأ أوراقا فرعونية في صلواته. وأصبح مشهورا في أوروبا غنيا جدا. وكانت تساعده زوجته في أعماله السحرية. وخصوصا في علاج الولادات العسيرة. وعندما يعجز الأطباء، كان هو يتولى الولادة بصورة أسهل. وبدون ألم. فقد كان يقف إلى جوار الأم ويضع أصابعها على جنينها. ثم يمر بيديه على بطنها. وبعد دقائق تلد الأم بسهولة. في فرنسا قابل أحد الكرادلة. وكان هذا الكاردينال يريد أن يصل إلى الملكة ماري انطوانيت. ولكنها لا تحبه. فخدعه كاليوستر وأرسل إليه عشيقته وقالت له أن الملكة تريد هدية من اللؤلؤ. وذهب الكاردينال واشترى عقدا. وأخذته العشيقة. واكتشفت الملكة ذلك فأمرت بجلد العشيقة وسجن الكاردينال. وهرب الساحر كاليسترو. في لندن تنبأ باليوم والساعة لقيان الثورة الفرنسية . ولما دخل أحد السجون الإيطالية ذهبت القوات الفرنسية للإفراج عنه باعتباره أحد أبطال الثورة فوجدوه قد مات. ولم يعرف أحد متى ولا كيف مات. وإنما وجدوا ورقة تقول: في استطاعة أي إنسان أن يراني لحظة واحدة، لو أنه اكتشف الغطاء في هذا الحائط. ووجدوا على الحائط غطاء من الخشب. ورفعوا الغطاء بصعوبة. ومن وراء الغطاء سقط كاليوسترو حيا لحظة واحدة، ثم إذا هو جثة ميتة. أما قدرات كاليوسترو هذا، فتدخل تحت السحر الأسود فقد كانت عنده قدرة هائلة على التأثير في الناس، لصالحه هو. مثلا كان ينظر إلى أي إنسان في عينيه. فإذا هذا الإنسان يضع يده في جيبه ويعطيه ما معه من فلوس، كثيرون فعلوا ذلك، دون سبب واضح. و عندما ذهبوا يطالبونه بفلوسهم رفض. واضطروه إلى أن يهرب. كانت من ضمن المشاكل التي تواجهه، أن الكثير من الأزواج عندما لا يجدون زوجاتهم يذهبون إلى بيته. فيجد كل واحد زوجته. وقد جلست أما الباب. أو نامت على الأرض. فإذا أيقظها الزوج وسألها: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ فإنها لا تعرف ما الذي تقوله. أما هذا السحر الأسود كان لابد أن يهرب كاليوسترو من كل مكان. حتى في السجن دفع زملاءه في السجن إلى هدم الجدران وقتل السجان. وهربوا جميعا. وظل هو وحده سجينا. |